خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٩٩
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ
١٠٠
وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٠١
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّهُ } الضمير للشأن أو للشيطان { لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ } تسلّطٌ وولاية { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي إليه يفوضون أمورَهم وبه يعوذون في كل ما يأتون وما يذرون فإن وسوستَه لا تؤثر فيهم ودعوتَه غيرُ مستجابة عندهم، وإيثارُ صيغةِ الماضي في الصلة الأولى للدِلالة على التحقق كما أن اختيارَ صيغةِ الاستقبالِ في الثانية لإفادة الاستمرارِ التجدّدي، وفي التعرض لوصف الربوبـية عِدَةٌ كريمةٌ بإعادة المتوكلين، والجملة تعليلٌ للأمر بالاستعاذة أو لجوابه المنويِّ أي يُعِذْك أو نحوه.

{ إِنَّمَا سُلْطَـٰنُهُ } أي تسلّطُه وولايتُه بدعوته المستتبعةِ للاستجابة لا سلطانُه بالقسر والإلجاء فإنه مُنتفٍ عن الفريقين لقوله سبحانه حكايةً عنه: { { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } [إبراهيم، الآية 22] وقد أفصح عنه قولُه تعالى: { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } أي يتخذونه وليًّا ويستجيبون دعوتَه ويُطيعونه فإن المقسورَ بمعزل من ذلك { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ } سبحانه وتعالى { مُّشْرِكُونَ } أو بسبب الشيطانِ مشركون إذ هو الذي حملهم على الإشراك بالله سبحانه، وقصُر سلطانه عليهم غِبَّ نفيه عن المؤمنين المتوكلين دليلٌ على أنْ لا واسطة في الخارج بـين التوكل على الله تعالى وبـين تولي الشيطان وإن كان بـينهما واسطةٌ في المفهوم وأن من لم يتوكل عليه تعالى ينتظمُ في سلك مَنْ يتولّى الشيطانَ من حيث لا يحتسب إذ به يتم التعليلُ ففيه مبالغةٌ في الحمل على التوكل والتحذيرِ عن مقابله، وإيثارُ الجملة الفعليةِ الاستقبالية في الصلة الأولى لما مر من إفادة الاستمرارِ التجدّدي كما أن اختيارَ الجملةِ الاسميةِ في الثانية للدلالة على الثبات، وتكريرُ الموصولِ للاحتراز عن توهم كونِ الصلةِ الثانية حاليةً مفيدةً لعدم دخول غيرِ المشركين من أولياء الشيطانِ تحت سلطانِه، وتقديمُ الأولى على الثانية التي هي بمقابلة الصلة الأولى فيما سلف لرعاية المقارَنةِ بـينها وبـين ما يقابلها من التوكل على الله تعالى، ولو رُوعيَ الترتيبُ السابق لانفصل كلٌّ من القرينتين عما يقابلها.

{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ } أي إذا أنزلنا آيةً من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلاً منها بأن نسخناها بها { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ } أولاً وآخِراً وبأن كلاًّ من ذلك ما نزلت حيثما نزلت إلا حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحة، فإن كل وقت له مقتضًى غيرُ مقتضى الآخَر، فكم من مصلحة في وقت تنقلب في وقت آخرَ مفسدةً وبالعكس، لانقلاب الأمورِ الداعية إلى ذلك وما الشرائعُ إلا مصالحُ للعباد في المعاش والمعاد، تدور حسبما تدور المصالحُ، والجملةُ إما معترضةٌ لتوبـيخ الكفرةِ والتنبـيهِ على فساد رأيهم، وفي الالتفات إلى الغَيبة مع إسناد الخبرِ إلى الاسم الجليلِ المستجمِع للصفات ما لا يخفى من تربـية المهابةِ وتحقيقِ معنى الاعتراض أو حالية وقرىء بالتخفيف من الإنزال { قَالُواْ } أي الكفرة الجاهلون بحكمة النسخ { إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ } أي متقوّلٌ على الله تعالى تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهىٰ عنه، وحكايةُ هذا القول عنهم هٰهنا للإيذان بأن ذلك كَفْرةٌ ناشئةٌ من نزغات الشيطان وأنه وليُّهم { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون شيئاً أصلاً أو لا يعلمون أن في النسخ حِكَماً بالغةً، وإسنادُ هذا الحكمِ إلى الأكثر لما أن منهم مَنْ يعلم ذلك وإنما ينكره عِناداً.