خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣٠
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣١
ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٣٢
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } أي المؤمنين، وُصفوا بالتقوى إشعاراً بأن ما صدر عنهم من الجواب ناشىءٌ عن التقوى { مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا } سلكوا في الجواب مسلك السؤالِ من غير تلعثم ولا تغيـيرٍ في الصورة، والمعنى أي أنزل خيراً فإنه جوابٌ مطابق للسؤال ولسبك الواقع في نفس الأمر مضموناً، وأما الكفرةُ فإنهم خذلهم الله تعالى كما غيروا الجوابَ عن نهج الحق الواقعِ الذي ليس له من دافع غيّروا صورتَه وعدَلوا بها عن سَنن السؤال حيث رفعوا الأساطير رَوماً لما مر من إنكار النزول. رُوي أن أحياءَ العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبـي عليه السلام، فإذا جاء الوافد كفّه المقتسمون وأمروه بالانصراف وقالوا: إن لم تلْقَه كان خيراً لك، فيقول: أنا شرُّ وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمرَ محمد وأراه فيلقى أصحابَ النبـي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فيخبرونه بحقيقة الحالِ فهم الذين قالوا خيراً { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أي أعمالَهم أو فعلوا الإحسانَ { فِى هَـٰذِهِ } الدار { ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أي مثوبةٌ حسنةٌ مكافأة فيها { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ } أي مثوبتُهم فيها { خَيْرٌ } مما أوتوا في الدنيا من المثوبة أو خيرٌ على الإطلاق فيجوز إسنادُ الخيرية إلى نفس دارِ الآخرة { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي دار الآخرة، حذف لدلالة ما سبق عليه وهذا كلام مبتدأ مدَح الله تعالى به المتقين وعدّ جوابَهم المَحْكيَّ من جملة إحسانِهم ووعدهم بذلك ثوابـي الدنيا والآخرة فلا محل له من الإعراب، أو بدلٌ من خيراً أو تفسير له أي أنزل خيراً هو هذا الكلامُ الجامعُ، قالوه ترغيباً للسائل.

{ جَنَّـٰت عَدْنٍ } خبرُ مبتدإٍ محذوف أو مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ أي لهم جنات، ويجوز أن يكون هو المخصوصَ بالمدح { يَدْخُلُونَهَا } صفةٌ لجناتُ على تقدير تنكيرِ عدنٍ وكذلك { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أو كلاهما حال على تقدير عَلَميته { لَّهُمْ فِيهَا } في تلك الجنات { مَا يَشَاءونَ } الظرفُ الأول خبرٌ لما والثاني حالٌ منه والعاملُ ما في الأول، أو متعلق به أي حاصلٌ لهم فيها ما يشاءون من أنواع المشتَهيات، وتقديمُه للاحتراز عن توهم تعلّقِه بالمشيئة أو لما مر مراراً من أن تأخيرَ ما حقُّه التقديمُ يوجب ترقبَ النفسِ إليه فيتمكن عند ورودِه عليها فضلَ تمكن { كَذٰلِكَ } مثلَ ذلك الجزاءِ الأوفى { يَجْزِى ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } اللام للجنس أي كلَّ من يتقي من الشِرْك والمعاصي ويدخُل فيه المتقون المذكورون دخولاً أولياً، ويكون فيه بعثٌ لغيرهم على التقوى أو للعهد فيكون فيه تحسيرٌ للكفرة.

{ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } نعت للمتقين وقوله تعالى: { طَيّبِينَ } أي طاهرين عن دنس الظلمِ لأنفسهم حال من الضمير، وفائدتُه الإيذانُ بأن مَلاكَ الأمر في التقوى هو الطهارةُ عما ذكر إلى وقت توفيهم ففيه حثٌّ للمؤمنين على الاستمرار على ذلك، ولغيرهم على تحصيله، وقيل: فرحين طيِّبـي النفوسِ ببشارة الملائكة إياهم بالجنة أو طيبـين بقبض أرواحِهم لتوجه نفوسِهم بالكلية إلى جناب القُدس { يَقُولُونَ } حالٌ من الملائكة أو قائلين لهم: { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ } قال القُرَظِيّرحمه الله : إذا استُدْعيَت نفسُ المؤمن جاءه ملكُ الموت عليه السلام، فقال: السلام عليك يا وليَّ الله، الله تعالى يقرأ عليك السلام، وبشّره بالجنة.

{ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } اللام للعهد أي جناتِ عدن الخ، ولذلك جُرّدت عن النعت، والمرادُ دخولُهم لها في وقته فإن ذلك بشارةٌ عظيمة وإن تراخىٰ المبشَّرُ به لا دخولُ القبر الذي هو روضةٌ من رياضها إذ ليس في البِشارة به ما في البشارة بدخول نفسِ الجنة { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } بسبب ثباتِكم على التقوى والطاعة أو بالذي كنتم تعملونه من ذلك، وقيل: المرادُ بالتوفّي التوفي للحشر، لأن الأمر بالدخول حينئذ يتحقق.