خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
٥٠
وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ
٥١
وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ
٥٢
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَخَـٰفُونَ رَبَّهُمْ } أي مالكَ أمرِهم وفيه تربـيةٌ للمهابة وإشعارٌ بعلة الحكم { مّن فَوْقِهِمْ } أي يخافونه جل وعلا خوفَ هيبةٍ وإجلالٍ وهو فوقهم بالقهر كقوله تعالى: { { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام، الآية 18] أو يخافون أن يرسِل عليهم عذاباً من فوقهم، والجملةُ حالٌ من الضمير في لا يستكبرون أو بـيانٌ له وتقريرٌ لأن من يخاف الله سبحانه لا يستكبر عن عبادته { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي ما يؤمرون به من الطاعات والتدبـيرات، وإيرادُ الفعل مبنياً للمفعول جرْيٌ على سَنن الجلالة وإيذانٌ بعدم الحاجةِ إلى التصريح بالفاعل لاستحالة استنادِه إلى غيره سبحانه، وفيه أن الملائكة مكلّفون مُدارون بـين الخوف والرجاء، وبعد ما بُـيّن أن جميعَ الموجودات يُخَصّون بالخضوع والانقياد أصلاً لله عز وجل أُردف ذلك بحكاية نهْيِه سبحانه وتعالى للمكلفين عن الإشراك فقيل:

{ وَقَالَ ٱللَّهُ } عطف على قوله: ولله يسجد، وإظهارُ الفاعل وتخصيصُ لفظة الجلالة بالذكر للإيذان بأنه متعيِّنُ الألوهية، وإنما المنهيُّ عنه هو الإشراكُ به لا أن المنهيَّ عنه مطلقُ اتخاذِ إلٰهين بحيث يتحقق الانتهاءُ عنه برفض أيِّهما كان أي قال تعالى لجميع المكلفين: { لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } وإنما ذُكر العددُ مع أن صيغة التثنيةِ مغنيةٌ عن ذلك دلالةً على أن مساقَ النهي هو الاثنَيْنيّة وأنها منافيةٌ للألوهية كما أن وصفَ الإلٰه بالوَحدة في قوله تعالى: { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } للدلالة على أن المقصودَ إثباتُ الوحدانية وأنها من لوازم الإلٰهيةِ، وأما الإلٰهيةُ فأمرٌ مسلَّمُ الثبوت له سبحانه وإليه أشير حيث أُسند إليه القول، وفيه التفاتٌ من التكلم إلى الغَيبة على رأي من اكتفىٰ في تحقق الالتفاتِ بكون الأسلوب الملتفَتِ عنه حقَّ الكلام ولم يشترِط سبقَ الذكرِ على ذلك الوجه { فَإيَّـٰيَ فَٱرْهَبُونِ } التفاتٌ من الغيبة إلى التكلم لتربـية المهابةِ وإلقاءِ الرهبة في القلوب ولذلك قدّم المفعولَ وكرر الفعلَ أي إن كنتم راهبـين شيئاً فإيايَ فارهبون لا غيرُ فإني ذلك الواحدُ الذي يسجُد له ما في السموات والأرض.

{ وَلَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْض } خلقاً ومُلكاً تقريرٌ لعلة انقيادِ ما فيها له سبحانه خاصة، وتحقيقٌ لتخصيص الرهبة به تعالى وتقديمُ الحرفِ لتقوية ما في اللام من معنى الاختصاصِ وكذا في قوله تعالى: { وَلَهُ ٱلدّينُ } أي الطاعةُ والانقياد { وَاصِبًا } أي واجباً ثابتاً لا زوالَ له لِما تقرّر أنه الإلٰهُ وحده الحقيقُ بأن يُرهَبَ، وقيل: واصباً من الوصب أي وله الدين ذا كلفة، وقيل: الدينُ الجزاءُ أي وله الجزاءُ الدائمُ بحيث لا ينقطع ثوابُه لمن آمن وعقابُه لمن كفر { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } الهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه السياقُ أي أعَقيبَ تقرّرِ الشؤون المذكورةِ من تخصيص جميعِ الموجودات للسجود به تعالى وكونِ ذلك كلِّه له، ونهيِه عن اتخاذ الأندادِ وكونِ الدين له واصباً المستدعي ذلك لتخصيص التقوىٰ به سبحانه غيرَ الله الذين شأنُه ما ذكر تتقون فتطيعون.