خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٣
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
٨٤
وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ
٨٥
وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ
٨٦
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } استئنافٌ لبـيان أن تولّيَهم وإعراضَهم عن الإسلام ليس لعدم معرفتهم بما عُدد من نعم الله تعالى أصلاً فإنهم يعرِفونها ويعترفون أنها من الله تعالى { ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } بأفعالهم حيث يعبدون غيرَ مُنعمها أو بقولهم: إنها بشفاعة آلهتِنا أو بسبب كذا، وقيل: نعمةُ الله تعالى نبوةُ محمد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات كما يعرفون أبناءَهم ثم أنكروها عِناداً، ومعنى ثم استبعادُ الإنكار بعد المعرفة لأن حق مَنْ عرف النعمة الاعترافُ بها لا الإنكارُ، وإسنادُ المعرفة والإنكارِ المتفرِّعِ عليها إلى ضمير المشركين على الإطلاق من باب إسنادِ حالِ البعض إلى الكل كقولهم: بنو فلان قتلوا فلاناً وإنما القاتل واحدٌ منهم، فإن بعضهم ليسوا كذلك لقوله سبحانه: { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي المنكرون بقلوبهم غيرُ المعترفين بما ذكر، والحُكم عليهم بمطلق الكفر المؤذِن بالكمال من حيث الكميةُ لا ينافي كمالَ الفِرقة الأولى من حيث الكيفية. هذا وقد قيل: ذكرُ الأكثر إما لأن بعضهم لم يَعرِفوا لنقصان العقل أو التفريطِ في النظر، أو لم يقُم عليه الحجةُ لأنه لم يبلغ حد التكليف فتدبر.

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } يشهد لهم بالإيمان والطاعةِ وعليهم بالكفر والعصيان وهو نبـيها { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } في الاعتذار إذ لا عذرَ لهم وثم للدَّلالة على أن ابتلأَهم بالمنع عن الاعتذار المنبىء عن الإقناط الكليِّ ـ وهو عندما يقال لهم: { { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } [المؤمنون، الآية 108] أشدُّ من ابتلائهم بشهادة الأنبـياء عليهم السلام عليهم وأطمُّ { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يُسترضَون أي لا يقال لهم: ارضُوا ربكم إذ الآخرةُ دارُ الجزاء لا دارُ العمل، وانتصابُ الظرف بمحذوف تقديرُه اذكرْ أو خوِّفْهم يوم نبعث الخ، أو يوم نبعث بهم ما يحيق مما لا يوصف وكذا قوله تعالى: { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ } الذي يستوجبونه بظلمهم وهو عذابُ جهنم { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ } ذلك { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي يُمهلون كقوله تعالى: { { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ } [الأنبياء، الآية 40].

{ وَإِذَا رَءا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءهُمْ } الذين كانوا يدعونهم في الدنيا وهم الأوثانُ أو الشياطينُ الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه وقارنوهم في الغيّ والضلال { قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلآء شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ } أي نعبدهم أو نطيعهم ولعلهم قالوا ذلك طمعاً في توزيع العذابِ بـينهم كما ينبىء عنه قوله سبحانه: { فَأَلْقَوُاْ } أي شركاؤهم { إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فإن تكذيبهم إياهم فيما قالوا ليس إلا للمدافعة والتخلص عن غائلة مضمونه، وإنما كذبوهم وقد كانوا يعبدونهم ويطيعونهم لأن الأوثانَ ما كانوا راضين بعبادتهم لهم فكأن عبادتَهم لهم كما قالت الملائكةُ عليهم السلام: { { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } [سبأ، الآية 41] يعنون أن الجنَّ هم الذين كانوا راضين بعبادتهم لا نحن أو كذبوهم في تسميتهم شركاءَ وآلهةً تنزيهاً لله سبحانه عن الشريك. والشياطينُ وإن كانوا راضين بعبادتهم لهم لكنهم لم يكونوا حاملين لهم على وجه القسر والإلجاءِ كما قال إبليسُ: { { وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى } [إبراهيم: 22] فكأنهم قالوا: ما عبدتمونا حقيقة بل إنما عبدتم أهواءكم.