خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٨٧
ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ
٨٨
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
٨٩
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَأَلْقَوْاْ } أي الذين أشركوا { إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } الاستسلامَ والانقيادَ لحُكمه العزيز الغالب بعد الاستكبار عنه في الدنيا { وَضَلَّ عَنْهُم } أي ضاع وبطل { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } من أن لله سبحانه شركاءَ وأنهم ينصُرون ويشفعون لهم وذلك حين كذبوهم وتبرؤا منهم.

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } في أنفسهم { وَصُدُّواْ } غيرهم { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } بالمنع عن الإسلام والحمل على الكفر { زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } الذي كانوا يستحقونه بكفرهم، قيل في زيادة عذابهم: حياتٌ أمثالُ البُخْت وعقاربُ أمثالُ البغال تلسَع إحداهن فيجد صاحبها حُمَتَها أربعين خريفاً، وقيل: يُخرجون من النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة البرد إلى النار { بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } متعلق بقوله: زدناهم، أي زدنا عذابَهم بسبب استمرارِهم على الإفساد وهو الصدّ المذكور.

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ } تكريرٌ لما سبق تثنيةً للتهديد { فِى كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ } أي نبـياً { مّنْ أَنفُسِهِمْ } من جنسهم قطعاً لمعذرتهم وفي قوله تعالى: { عَلَيْهِمْ } إشعارٌ بأن شهادةَ أنبـيائِهم على الأمم تكون بمحضر منهم { وَجِئْنَا بِكَ } إيثارُ لفظ المجيء على البعث لكمال العنايةِ بشأنه عليه السلام، وصيغةُ الماضي للدِلالة على تحقق الوقوع { شَهِيدًا عَلَىٰ هَـؤُلآء } الأممِ وشهدائِهم كقوله تعالى: { { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } [النساء: 41]، وقيل: على أمتك والعاملُ في الظرف محذوفٌ كما مر والمراد يوم القيامة { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } الكاملَ في الكتابـية الحقيقَ بأن يُخَص باسم الجنس، وهو إما استئنافٌ أو حال بتقدير قد { تِبْيَانًا } بـياناً بليغاً { لّكُلّ شَىْء } يتعلق بأمور الدين، ومن جملة ذلك أحوالُ الأممِ مع أنبـيائهم عليهم السلام فيكون كالدليل على كونه عليه السلام شهيداً عليهم وكذا من جملته ما أخبر به هذه الآيةُ الكريمة من بعث الشهداءِ وبعثِه عليه السلام شهيداً عليهم عليهم الصلاة والسلام، والتبـيانُ كالتِلقاء في كسر أوله، وكونُه تبـياناً لكل شيء من أمور الدين باعتبار أن فيه نصاً على بعضها وإحالةً لبعضها على السنة حيث أُمر باتباع النبـي عليه السلام وطاعته، وقيل فيه: { { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [النجم: 3] وحثًّا على الإجماع وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه حيث قال: "أصحابـي كالنّجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وقد اجتهدوا وقاموا ووطّأوا طرقَ الاجتهاد فكانت السنة والإجماعُ والقياسُ مستندةً إلى تبـيان الكتاب ولم يضُرَّ ما في البعض من الخفاء في كونه تبـياناً فإن المبالغةَ باعتبار الكمية دون الكيفية كما قيل في قوله تعالى: { { وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } [ق: 29] إنه من قولك: فلان ظالم لعبده وظلام لعبـيده ومنه قوله سبحانه: { { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [المائدة: 72] { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } للعالمين فإن حرمانَ الكفرة من مغانم آثارِه من تفريطهم لا من جهة الكتاب { وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } خاصة أو يكون كلُّ ذلك خاصاً بهم لأنهم المنتفِعون بذلك.