خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٩٠
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
٩١
-النحل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ } أي فيما نزّله تبـياناً لكل شيء وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين، وإيثارُ صيغةِ الاستقبال فيه وفيما بعده لإفادة التجددِ والاستمرار { بِٱلْعَدْلِ } بمراعاة التوسطِ بـين طرفي الإفراطِ والتفريطِ وهو رأسُ الفضائل كلِّها يندرج تحته فضيلةُ القوةِ العقلية الملكية من الحِكمة المتوسطةِ بـين الحُرية والبَلادة، وفضيلةُ القوةِ الشهوية البهيمية من العِفة المتوسّطة بـين الخلاعة والخمود، وفضيلةُ القوة الغضبـية السبعية من الشجاعة المتوسطة بـين التهوُّرِ والجُبن، فمن الحِكم الاعتقادية التوحيدُ المتوسطُ بـين التعطيل والتشريك. نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن العدلَ هو التوحيدُ» والقولُ بالكسب المتوسّطِ بـين الجبر والقدَر، ومن الحِكم العملية التعبدُ بأداء الواجبات المتوسطِ بـين البَطالة والترهب، ومن الحِكم الخلُقية الجودُ المتوسط بـين البخل والتبذير { وَٱلإِحْسَانِ } أي الإتيانِ بما أمر به على الوجه اللائقِ وهو إما بحسب الكمية كالتطوع بالنوافل أو بحسب الكيفيةِ كما يشير إليه قولُه صلى الله عليه وسلم: "الإحسانُ أن تعبدَ الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" { وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي إعطاءِ الأقارب ما يحتاجون إليه، وهو تخصيصٌ إثرَ تعميمٍ اهتماماً بشأنه { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء } الإفراط في مشايعة القوةِ الشهوية كالزنىٰ مثلاً { وَٱلْمُنْكَرِ } ما يُنكَر شرعاً أو عقلاً من الإفراط في إظهار آثار القوةِ الغضبـية { وَٱلْبَغْى } الاستعلاءُ والاستيلاءُ على الناس والتجبرُ عليهم وهو من آثار القوة الوهمية الشيطانيةِ التي هي حاصلةٌ من رذيلتَيْ القوتين المذكورتين الشهويةِ والغضبـية، وليس في البشر شرٌّ إلا وهو مندرجٌ في هذه الأقسام صادرٌ عنه بواسطة هذه القُوى الثلاث، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: "هي أجمعُ آيةٍ في القرآن للخير والشر" ، ولو لم يكن فيه غيرُ هذه الآية الكريمة لكفَتْ في كونه تبـياناً لكل شيءٍ وهدى (ورحمة) { يَعِظُكُم } بما يأمر وينهى، وهو إما استئنافٌ وإما حالٌ من الضميرين في الفعلين { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } طلباً لأن تتعظوا بذلك.

{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } هو البَـيعةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها مبايعةٌ لله سبحانه لقوله تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10] { إِذَا عَـٰهَدتُّمْ } أي حافظوا على حدود ما عاهدتم الله عليه وبايعتم به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَـٰنَ } التي تحلِفون بها عند المعاهدة { بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } حسبما هو المعهودُ في أثناء العهودِ لا على أن يكون النهيُ مقيداً بالتوكيد مختصاً به { وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً } شاهداً رقيباً، فإن الكفيلَ مُراعٍ لحال المكفول به محافظٌ عليه { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } من نقض الأيمان والعهودِ فيجازيكم على ذلك.