خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً
١٦
-الإسراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

قوله تعالى: { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً } بيان لكيفية وقوع التعذيب بعد البعثة التي جعلت غاية لعدم صحته وليس المراد بالإرادة تحققها بالفعل إذ لا يتخلف عنها المراد ولا الإرادة الأزلية المتعلقة لوقوع المراد في وقته المقدر له إذ لا يقارنه الجزاء الآتي بل دنو وقتها كما في قوله تعالى { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل، الآية 1] أي وإذ دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك قرية بأن نعذب أهلها بما ذكرنا من عذاب الاستئصال الذي بينا أنه لا يصح منا قبل البعثة أو بنوع مما ذكرنا شأنه من مطلق العذاب أعني عذاب الاستئصال لما لهم من الظلم والمعاصي دنوا تقتضيه الحكمة من غير أن يكون له حد معين { أَمَرْنَا } بواسطة الرسول المبعوث إلى أهلها { مُتْرَفِيهَا } متنعميها وجباريها وملوكها خصهم بالذكر مع توجه الأمر إلى الكل لأنهم الأصول في الخطاب والباقي أتباع لهم ولأن توجه الأمر إليهم آكدو عدم التعرض للمأمور به إما الظهور أن المراد به الحق والخير لأن الله لا يأمر بالفحشاء لا سيما بعد ذكر هداية القرآن لما يهدي إليه وإما لأن المراد وجد منا الأمر كما يقال فلان يعطي ويمنع { فَفَسَقُواْ فِيهَا } أي خرجوا عن الطاعة وتمردوا { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } أي ثبت وتحقق موجبه بحلول العذاب إثر ما ظهر منهم من الفسق والطغيان { فَدَمَّرْنَاهَا } بتدمير أهلها { تَدْمِيراً } لا يكتنه كنهه ولا يوصف. هذا هو المناسب لما سبق، وقيل الأمر مجاز عن الحمل على الفسق والتسبب له بأن صب عليهم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق وقيل هو بمعنى التكثير يقال أمَرْتُ الشيء فأمِرَ أي كثّرته فكثرُ وفي الحديث "خير المال سكة مأبورة ومَهْرَةٌ مأمورة" أي كثيرةُ النِتاج ويعضده قراءة آمَرْنا وأمّرنا من الإفعال والتفعيل وقد جُعلتا من الإمارة أي جعلناهم أمراءَ وكل ذلك لا يساعده مقام الزجر عن الضلال والحث على الاهتداء فإن مؤدَّى ذلك أن طغيانَهم مَنوطٌ بإرادة الله سبحانه وإنعامه عليهم بنعم وافرة أبطرْتهم وحملهم على الفسق حملاً حقيقياً بأن يعبر عنه بالأمر به.