خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً
٣٣
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
٣٤
-الإسراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ } قتْلَها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } إلا بإحدى ثلاث: كفرٍ بعد إيمان، وزِناً بعد إحصان، وقتلِ نفسٍ معصومةٍ عمداً، فالاستثناءُ مفرَّغٌ أي لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحقِّ أو ملتبسين أو ملتبسةً بشيء من الأشياء، ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوفٍ أي لا تقتُلوها قتلاً ما إلا قتلاً متلبساً بالحق { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا } بغير حق يوجب قتلَها أو يُبـيحه للقاتل حتى إنه لا يُعتبر إباحتُه لغير القاتل فإن من عليه القصاصُ إذا قتله غيرُ من له القِصاصُ يُقتصّ له، ولا يفيده قولُ الوليِّ: أنا أمرتُه بذلك ما لم يكن الأمرُ ظاهراً { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ } لمن يلي أمرَه من الوارث أو السلطانِ عند عدم الوارث { سُلْطَـٰناً } تسلّطاً واستيلاءً على القاتل يؤاخذه بالقصاص أو بالدية حسبما تقتضيه جنايتُه، أو حجةً غالبة { فَلاَ يُسْرِف } وقرىء لا تسرفْ { فّى ٱلْقَتْلِ } أي لا يُسرف الوليُّ في أمر القتل بأن يتجاوز الحدَّ المشروعَ بأن يزيد عليه المُثْلة أو بأن يقتُل غيرَ القاتل من أقاربه، أو بأن يقتلَ الاثنين مكانَ الواحد كما يفعله أهلُ الجاهلية أو بأن يقتل القاتلَ في مادة الدّية وقرىء بصيغة النفي مبالغةً في إفادة معنى النهي { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } تعليلٌ للنهي والضميرُ للولي على معنى أنه تعالى نصره بأن أوجب له القِصاصَ أو الديةَ وأمَر الحكامَ بمعونته في استيفاء حقِّه فلا يبْغِ ما وارء حقِّه ولا يستزِدْ عليه ولا يخرُجْ من دائرة أمرِ الناصر. أو للمقتول ظلماً على معنى أنه تعالى نصره بما ذُكر فلا يسرف وليُّه في شأنه أو للذي يقتله الوليُّ ظلماً وإسرافاً، ووجهُ التعليل ظاهرٌ، وعن مجاهد أن الضميرَ في لا يسرفْ للقاتل الأول ويعضده قراءةُ فلا تسرفوا والضميران في التعليل عائدان إلى الولي أو المقتول، فالمرادُ بالإسراف حينئذ إسرافُ القاتل على نفسه بتعريضه لها للهلاك العاجل والآجلِ لا الإسرافُ وتجاوزُ الحد في القتل أي لا يسرف على نفسه في شأن القتل كما في قوله تعالى: { { قُلْ يٰعِبَادِى ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [الزمر، الآية 53].

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } نهيٌ عن قربانه لما ذكر من المبالغة في النهي عن التعرض له ومن إفضاء ذلك إليه وللتوسل إلى الاستثناء بقوله تعالى: { إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } أي إلا بالخَصلة والطريقة التي هي أحسنُ الخِصال والطرائق وهي حفظُه واستثماره { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } غايةٌ لجواز التصرفِ على الوجه الأحسن المدلولِ عليه بالاستثناء لا للوجه المذكور فقط { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ } سواءٌ جرى بـينكم وبـين ربِّكم أو بـينكم وبـين غيرِكم من الناس، والإيفاءُ بالعهد والوفاءُ به هو القيامُ بمقتضاه والمحافظةُ عليه ولا يكاد يُستعمل إلا بالباء فرقاً بـينه وبـين الإيفاء الحسيِّ كإيفاء الكيل والوزن { إِنَّ ٱلْعَهْدَ } أُظهر في مقام الإضمارِ إظهاراً لكم والعنايةِ بشأنه، أو لأن المرادَ مطلقُ العهد المنتظمِ للعهد المعهود { كَانَ مَسْؤُولاً } أي مسؤولاً عنه على حذف الجارِّ وجعْلِ الضمير بعد انقلابه مرفوعاً مستكناً في اسم المفعولِ كقوله تعالى: { { وَذٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [هود، الآية 103] أي مشهودٌ فيه، ونظيرُه ما في قوله تعالى: { { تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ } [يونس، الآية 1] على أن أصلَه الحكيمُ قائلُه فحذف المضافُ وجُعل الضمير مستكناً في الحكيم بعد انقلابه مرفوعاً، ويجوز أن يكون تخيـيلاً كأنه يقال للعهد: لم نكثتَ وهلاّ وفَّى بك تبكيتاً للناكث كما يقال للموؤدة: بأي ذنبٍ قُتلت.