خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً
٧٤
إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً
٧٥
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
٧٦
سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً
٧٧
-الإسراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ } على ما أنت عليه من الحق بعِصمتنا لك { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً } من الركون الذي هو أدنى ميلٍ أي لولا تثبـيتنا لك لقاربت أن تميلَ إليهم شيئاً يسيراً من الميل اليسيرِ لقوة خَدعِهم وشدة احتيالِهم، لكن أدركتْك العصمةُ فمنعَتْك من أن تقرَبَ من أدنى مراتبِ الركونِ إليهم فضلاً عن نفس الركونِ، وهذا صريحٌ في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم مع قوة الداعي إليها، ودليلٌ على أن العصمةَ بتوفيق الله تعالى وعنايتِه.

{ إِذاً } لو قاربت أن تركنَ إليهم أدنى رَكْنة { لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } أي عذابَ الدنيا وعذابَ الآخرة ضعفَ ما يُعذَّب به في الدارين بمثل هذا الفعلِ غيرُك لأن خطأَ الخطيرِ خطيرٌ، وكان أصلُ الكلامِ عذاباً ضِعفاً في الممات بمعنى مضاعفاً ثم حُذف الموصوفُ وأُقيمت الصفةُ مُقامَه ثم أضيفت إضافةَ موصوفِها، وقيل: الضِعف من أسماء العذاب، وقيل: المرادُ بضِعف الحياة عذابُ الآخرة وبضِعف المماتِ عذابُ القبر { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } يدفع عنك العذابَ.

{ وَإِن كَادُواْ } الكلامُ فيه كما في الأول أي كاد أهلُ مكة { لَيَسْتَفِزُّونَكَ } أي ليُزعِجونك بعداوتهم ومكرِهم { مّنَ ٱلأَرْضِ } أي الأرضِ التي أنت فيها وهي أرضُ مكة { لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذّاً لاَّ يَلْبَثُونَ } بالرفع عطفاً على خبر كاد، وقرىء لا يلبثوا بالنصب بإعمال إذن على أن الجملةَ معطوفةٌ على جملة وإن كادوا ليستفزونك { خِلَـٰفَكَ } أي بعدك قال: [الكامل]

خلت الديارُ خِلافَهم فكأنمابسَطَ الشواطِبُ بـينهن حصيراً

أي لو خرجتَ لا يبقَون بعد خروجِك وقرىء خلفك { إِلاَّ قَلِيلاً } إلا زماناً قليلاً وقد كان كذلك فإنهم أُهلكوا ببدر بعد هجرتِه عليه الصلاة والسلام، وقيل: نزلت الآيةُ في اليهود حيث حسدوا مقامَ النبـي عليه الصلاة والسلام بالمدينة، فقالوا: الشامُ مقامُ الأنبـياءِ عليهم السلام فإن كنت نبـياً فالحَقْ بها حتى نؤمِنَ بك، فوقع ذلك في قلبه عليه الصلاة والسلام فخرج مرحلةً فنزلت فرجع ثم قُتل منهم بنو قريظة وأُجليَ بنو النضير (بعدهم) بقليل.

{ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا } نُصب على المصدرية أي سنّ الله تعالى سُنةً وهي أن يُهلك كلَّ أمة أَخرجت رسولَهم من بـين أظهرِهم، فالسنةُ لله تعالى وإضافتُها إلى الرسل لأنها سُنّتْ لأجلهم على ما ينطِق به قوله عز وجل: { وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } أي تغيّراً.