خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً
٦
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً
٧
عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً
٨
-الإسراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ } أي الدولةَ والغلَبة { عَلَيْهِمْ } على الذين فعلوا بكم ما فعلوا بعد مائة سنةٍ حين تُبتم ورجعتم عما كنتم عليه من الإفساد والعلو، قيل: هي قتلُ بُخْت نصّر واستنقاذُ بني إسرائيلَ أُساراهم وأموالَهم ورجوعُ المُلْك إليهم، وذلك أنه لما ورِث بهمنُ بنُ إسفنديارَ المُلكَ من جدّه كشتاسفَ بنِ لهراسب ألقى الله تعالى في قلبه الشفقةَ عليهم فردّ أُساراهم إلى الشام وملّك عليهم دانيال عليه السلام فاستولَوا على من كان فيها من أتباع بُخْت نصّر، وقيل: هي قتلُ داودَ عليه السلام لجالوت.

{ وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوٰلٍ } كثيرةٍ بعدما نُهبت أموالُكم { وَبَنِينَ } بعدما سُبـيَتْ أولادُكم { وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا } مما كنتم من قبل أو من عدوكم، والنفيرُ مَن ينفِر مع الرجل من قومه، وقيل: جمعُ نفرٍ وهو القومُ المجتمعون للذهاب إلى العدو كالعبـيد والمبـين { إِنْ أَحْسَنتُمْ } أعمالكم سواءٌ كانت لازمةً لأنفسكم أو متعديةً إلى الغير، أي عمِلتموها على الوجه اللائقِ ولا يُتصور ذلك إلا بعد أن تكون الأعمالُ حسنةً في أنفسها وإن فعلتم الإحسان { أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ } لأن ثوابَها لها { وَإِنْ أَسَأْتُمْ } أعمالَكم بأن عملتموها لا على الوجه اللائق ويلزمه السوءُ الذاتيُّ أو فعلتم الإساءة { فَلَهَا } إذ عليها وبالها، وعن علي كرم الله وجهه: ما أحسنتُ إلى أحد ولا أسأت إليه وتلاها { فَإِذَا جَاء وَعْدُ ٱلأَخِرَةِ } حان وقت ما وُعد من عقوبة المرة الآخرة { لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ } متعلقٌ بفعل حُذف لدلالة ما سبق عليه، أي بعثناهم ليسوؤا ومعنى ليسوؤا وجوهَكم ليجعلوا آثارَ المساءة والكآبةِ باديةً في وجوهكم كقوله تعالى: { { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الملك: 27] وقرىء ليَسوءَ على أن الضمير لله تعالى أو للوعد أو للبعث، ولنسوءَ بنون العظمةِ، وفي قراءة علي رضي الله عنه: لَنَسُوأنّ على أنه جوابُ إذا، وقرىء لنَسوأنْ بالنون الخفيفة ولَيسوأنّ واللام في قوله عز وجل: { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ } عطف على ليسوؤا متعلقٌ بما تعلق هو به { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي في أول مرةٍ { وَلِيُتَبّرُواْ } أي يهلكوا { مَا عَلَوْاْ } ما غلبوه واستولَوْا عليه أو مدةَ علوِّهم { تَتْبِيرًا } فظيعاً لا يوصف بأن سلط الله عز سلطانه عليهم الفرسَ فعزاهم ملكُ بابِلَ من ملوك الطوائف اسمُه جودرد، وقيل: جردوس، وقيل: دخل صاحبُ الجيش فذبح قرابـينَهم فوجد فيه دماً يغلي فسألهم عنه، فقالوا: دمُ قربانٍ لم يقبل منا، فقال: لم تصْدُقوني، فقتل على ذلك ألوفاً فلم يهدأ الدم، ثم قال: إن لم تصْدُقوني ما تركت منكم أحد، فقالوا: إنه دمُ يحيـى بنِ زكريا عليهما الصلاة والسلام، فقال: لمثل هذا ينتقم منكم ربُّكم، ثم قال: يا يحيـى قد علم ربـي وربُّك ما أصاب قومَك من أجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا أُبقيَ منهم أحداً، فهدأ.

{ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } بعد المرة الآخرة إن تبتم توبةً أخرى وانزجرتم عما كنتم عليه من المعاصي { وَإِنْ عُدتُّمْ } إلى ما كنتم فيه من الفساد مرةً أخرى { عُدْنَا } إلى عقوبتكم ولقد عادوا فأعاد الله سبحانه عليهم النقمة بأن سلط عليهم الأكاسرةَ ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الإتاوة ونحوِ ذلك. وعن الحسن عادوا فبعث الله تعالى محمداً عليه الصلاة والسلام فهم يُعطون الجزيةَ عن يد وهم صاغرون وعن قتادة مثلُه { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ حَصِيرًا } أي محبِساً لا يستطيعون الخروجَ منها أبد الآبدين، وقيل: بِساطاً كما يبسط الحصيرُ، وإنما عُدل عن أن يقال: وجعلنا جهنمَّ لكم تسجيلاً على كفرهم بالعَود وذماً لهم بذلك وإشعاراً بعلة الحكم.