خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً
٩٣
وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً
٩٤
-الإسراء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مّن زُخْرُفٍ } من ذهب وقد قرىء به وأصلُه الزينة { أَوْ تَرْقَىٰ فِى ٱلسَّمَاء } أي في معارجها فحُذف المضافُ، يقال: رقيَ في السُّلّم وفي الدرجة { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيّكَ } أي لأجل رُقيِّك فيها وحده أو لن نصدق رقيَّك فيها { حَتَّى تُنَزّلَ } منها { عَلَيْنَا كِتَابًا } فيه تصديقُك { نقرؤه } نحن من غير أن يُتلقّى من قِبلك. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عبدُ اللَّه بنُ أمية: لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سُلّماً ثم ترقى فيه وأنا أنظُر حتى تأتيَها وتأتَي معك بصك منشورٍ معه أربعةٌ من الملائكة يشهدون أنك كما تقول، وما كانوا يقصِدون بهاتيك الاقتراحاتِ الباطلة إلا العنادَ واللَّجاجَ ولو أنهم أُوتوا أضعافَ ما اقترحوا من الآيات ما زادهم ذلك إلا مكابرةً وإلا فقد كان يكفيهم بعضُ ما شاهدوا من المعجزات التي تخِرُّ لها صُمُّ الجبال.

{ قُلْ } تعجباً من شدة شكيمتِهم وتنزيهاً لساحة السُّبحات عما لا يكاد يليق بها من مثل هذه الاقتراحاتِ الشنيعة التي تكاد السمواتُ يتفطّرن منها أو عن طلبك ذلك وتنبـيهاً على بطلان ما قالوه { سُبْحَـٰنَ رَبّى } وقرىء قال: سبحان ربـي { هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا } لا ملَكاً حتى يُتصور مني الرقيُّ في السماء ونحوُه { رَسُولاً } مأموراً من قبل ربـي بتبليغ الرسالةِ من غير أن يكون لي خِيَرةٌ في الأمر كسائر الرسلِ وكانوا لا يأتون قومَهم إلا بما يظهره الله على أيديهم حسبما يلائم حالَ قومِهم ولم يكن أمرُ الآياتِ إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله سبحانه بشيء منها، وقولُه بشراً خبرٌ لكنت ورسولاً صفتُه.

{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ } أي الذين حُكيت أباطيلُهم { أَن يُؤْمِنُواْ } مفعولٌ ثانٍ لمنع وقوله: { إِذْ جَاءهُمُ ٱلْهُدَىٰ } أي الوحيُ ظرفٌ لمنع أو يؤمنوا أي وما منعهم وقت مجيءِ الوحي المقرونِ بالمعجزاتِ المستدعيةِ للإيمان أن يؤمنوا بالقرآن وبنبوّتك أو ما منعهم أن يؤمنوا بذلك وقت مجيءِ ما ذكر { إِلاَّ أَن قَالُواْ } في محل الرفعِ على أنه فاعلُ منع أي إلا قولُهم: { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً } منكِرين أن يكون رسولُ الله تعالى من جنس البشرِ، وليس المرادُ أن هذا القولَ صدر عن بعضهم فمنع بعضاً آخرَ منهم، بل المانعُ هو الاعتقادُ الشاملُ للكل المستتبعُ لهذا القول منهم، وإنما عبرّ عنه بالقول إيذاناً بأنه مجردُ قولٍ يقولونه بأفواههم من غير أن يكون له مفهومٌ ومِصْداقٌ، وحصرُ المانعِ من الإيمان فيما ذكر مع أن لهم موانعَ شتّى لِما أنه معظمُها أو لأنه هو المانعُ بحسب الحال، أعني عند سماعِ الجواب بقوله تعالى: { هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً } [الإسراء: 93] إذ هو الذي يتشبّثون به حينئذ من غير أن يخرِمَ ببالهم شبهةً أخرى من شبههم الواهيةِ، وفيه إيذانٌ بكمال عنادِهم حيث يشير إلى أن الجوابَ المذكورَ مع كونه حاسماً لموادّ شُبَهِهم ملجئاً إلى الإيمان يعكُسون الأمرَ ويجعلونه مانعاً منه.