خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً
١٠
فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
١١
-الكهف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِذْ أَوَى } ظرفٌ لعجباً لا لحسِبتَ أو مفعولٌ لاذكرُ أي حين التجأ { ٱلْفِتْيَةُ } أي أصحابُ الكهف، أوثر الإظهارُ على الإضمار لتحقيق ما كانوا عليه في أنفسهم من حال الفتوةِ فإنهم كانوا فتيةً من أشراف الرومِ أرادهم دقيانوسُ على الشرك فهربوا منه بدينهم ولأن صاحبـيّةَ الكهف من فروع التجائِهم إلى الكهف فلا يناسب اعتبارُها معهم قبل بـيانه { إِلَى ٱلْكَهْفِ } بجلبهم للجلوس واتخذوه مأوى { فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ } من خزائن رحمتِك الخاصةِ المكنونةِ عن عيون أهلِ العادات، فمن ابتدائيةٌ متعلقةٌ بآتنا أو بمحذوف وقع حالاً من مفعوله الثاني قُدّمت عليه لكونه نكرةً، ولو تأخّرت لكانت صفةً له أي آتنا كائنةً من لدنك { رَحْمَةً } خاصةً تستوجب المغفرةَ والرزقَ والأمنَ من الأعداء { وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا } الذي نحن عليه من مهاجَرة الكفارِ والمثابرة على طاعتك، وأصلُ التهيئةِ إحداثُ هيئةِ الشيء، أي أصلحْ ورتِّب وأتممْ لنا من أمرنا { رَشَدًا } إصابةً للطريق الموصلِ إلى المطلوب واهتداءً إليه، وكِلا الجارّين متعلقٌ بهيِّـىءْ لاختلافهما في المعنى، وتقديمُ المجرورَين على المفعول الصريحِ لإظهار الاعتناءِ بهما وإبرازِ الرغبةِ في المؤخر بتقديم أحوالِه فإن تأخيرَ ما حقُّه التقديمُ عما هو من أحواله المرغّبة فيه كما يورث شوقَ السامعِ إلى وروده ينبىء عن كمال رغبةِ المتكلّم واعتنائِه بحصوله لا محالة، وكذا الكلامُ في تقديم قوله تعالى: { مِن لَّدُنْكَ } على تقدير تعلّقِه بآتنا، وتقديمُ لنا على (من أمرنا) للإيذان من أول الأمرِ بكون المسؤول مرغوباً فيه لديهم، أو اجعل أمرَنا راشداً كلَّه على أن من تجريديةٌ مثلُها في قولك: رأيتُ منك أسداً.

{ فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ } أي أَنَمناهم على طريقة التمثيل المبنيِّ على تشبـيه الإنامةِ الثقيلةِ المانعةِ عن وصول الأصواتِ إلى الآذان بضرب الحجابِ عليها، وتخصيصُ الآذان بالذكر مع اشتراك سائرِ المشاعرِ لها في الحجْب عن الشعور عند النومِ لما أنها المحتاجُ إلى الحجب عادة، إذ هي الطريقةُ للتيقظ غالباً لا سيما عند انفرادِ النائم واعتزالِه عن الخلق، وقيل: الضربُ على الآذان كنايةٌ عن الإنامة الثقيلةِ، وحملُه على تعطيلها كما في قولهم: ضرب الأميرُ على يد الرعيةِ أي منعهم من التصرف مع عدم ملاءمتِه لما سيأتي من البعث لا يدل على النوع مع أنه المرادُ قطعاً، والفاء في فضربنا كما في قوله عز وجل: { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } بعد قوله تعالى: { { إِذْ نَادَىٰ } [الأنبياء: 76] فإن الضربَ المذكور وما ترتب عليه من التقليب ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال والبعثِ وغيرِ ذلك إيتاءُ رحمةً لدنيّةٍ خافيةٍ عن أبصار المتمسكين بالأسباب العادية استجابةً لدعوتهم { فِى ٱلْكَهْفِ } ظرف مكان لضربنا { سِنِينَ } ظرفُ زمان له باعتبار بقائِه لا ابتدائِه { عَدَدًا } أي ذواتَ عدد أو تُعدّ عدداً على أنه مصدرٌ أو معدودةً على أنه بمعنى المفعول، ووصفُ السنين بذلك إما للتكثير وهو الأنسبُ بإظهار كمالِ القدرةِ أو للتقليل وهو الأليقُ بمقام إنكارِ كون القصةِ عجباً من بـين سائر الآياتِ العجيبة فإن مدة لُبثهم كبعض يومٍ عنده عز وجل.