خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً
٦٣
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً
٦٤
-الكهف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ } أي فتاه عليه السلام: { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } أي التجأنا إليها وأقمنا عندها. وذكرُ الإِواءِ إليها مع أن المذكور فيما سبق مرتين بلوغُ مجمعِ البحرين لزيادة تعيـينِ محلِّ الحادثة، فإن المجمَع محلٌ متسعٌ لا يمكن تحقيقُ المراد المذكور بنسبة الحادثةِ إليه ولتمهيد العذر فإن الإِواءَ إليها والنومَ عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة، والرؤيةُ مستعارةٌ للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملةِ، ومرادُه بالاستفهام تعجيبُ موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى، وقد جُعل فقدانُه فقدانُه علامةً لوجدان المطلوب وهذا أسلوبٌ معتادٌ فيما بـين الناس، يقول أحدهم لصاحبه إذا نابه خطب: أرأيتَ ما نابني؟ يريد بذلك تهويلَه وتعجيبَ صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعُه لا استخبارُه عن ذلك كما قيل، والمفعولُ محذوفٌ اعتماداً على ما يدل عليه من قوله عز وجل: { فَإِنّى نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } وفيه تأكيدٌ للتعجيب وتربـيةٌ لاستعظام المنسيِّ، وإيقاعُ النسيان على اسم الحوتِ دون ضمير الغَداءِ مع أنه المأمورُ بإتيانه للتنبـيه من أول الأمر على أنه ليس من قبـيل نِسيان المسافرِ زادَه في المنزل وأن ما شاهده ليس من قبـيل الأحوالِ المتعلقة بالغداء من حيث هو غَداءٌ وطعامٌ، بل من حيث هو حوتٌ كسائر الحِيتان مع زيادة أي نسِيتُ أن أذكر لك أمرَه وما شاهدتُ منه من الأمور العجيبة { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ } بوسوسته الشاغلةِ عن ذلك وقوله تعالى: { أَنْ أَذْكُرَهُ } بدلُ اشتمال من الضمير أي ما أنساني أن أذكرَه لك، وفي تعليق الإنساء بضمير الحوتِ أولاً وبذكره له ثانياً على طريق الإبدالِ المنبىء عن تنحية المبدَل منه إشارةٌ إلى أن متعلَّقَ النسيان أيضاً ليس نفسَ الحوتِ بل ذكرُ أمره، وقرىء أن أذكّره، وإيثارُ أن أذكُرَه على المصدر للمبالغة فإن مدلوله نفسُ الحدث عند وقوعه، والحالُ وإن كانت غريبةً لا يُعهد نسيانُها لكنه لما تعوّد بمشاهدة أمثالِها عند موسى عليه السلام وألِفَها قل اهتمامه بالمحافظة عليها { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى ٱلْبَحْرِ عَجَبًا } بـيانٌ لطرف من أمر الحوتِ منبىءٌ عن طرف آخرَ منه، وما بـينهما اعتراضٌ قُدم عليه للاعتناء بالاعتذار، كأنه قيل: حَيِـيَ واضطرب ووقع في البحر واتخذ سبـيله فيه سبـيلاً عجباً، فعجباً ثاني مفعولَي اتخَذ والظرفُ حالٌ من أولهما أو ثانيهما، أو هو المفعولُ الثاني وعجباً صفةُ مصدرٍ محذوفٍ أي اتخاذاً عحباً وهو كونُ مسلَكه كالطاق والسرَب، أو مصدرُ فعلٍ محذوف أي أتعجب منه عجباً، وقد قيل: إنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وليس بذاك.

{ قَالَ } أي موسى عليه السلام { ذٰلِكَ } الذي ذكرتَ من أمر الحوت { مَا كُنَّا نَبْغِ } وقرىء بإثبات الياء، والضميرُ العائد إلى الموصول محذوفٌ، أصلُه نبغيه أي نطلبه لكونه أَمارةً للفوز بالمرام { فَٱرْتَدَّا } أي رجعا { عَلَىٰ ءاثَارِهِمَا } طريقِهما الذي جاءا منه { قَصَصًا } يقُصان قَصصاً أي يتّبعان آثارَهما اتباعاً أو مقتصّين حتى أتيا الصخرة.