خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً
٨
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً
٩
-الكهف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ } فيما سيأتي عند تناهي عُمرِ الدنيا { مَا عَلَيْهَا } من المخلوقات قاطبةً بإفنائها بالكلية وإنما أُظهر في مقام الإضمارِ لزيادة التقريرِ أو لإدراج المكلفين فيه { صَعِيداً } مفعولٌ ثانٍ للجعل، والصعيدُ الترابُ أو وجهُ الأرضِ، قال أبو عبـيدةَ: هو المستوي من الأرض، وقال الزجاجُ: هو الطريقُ الذي لا نبات فيه { جُرُزاً } تراباً لا نباتَ فيه بعد ما كان يَتعجَّب من بهجته النُّظارُ وتتشرف بمشاهدته الأبصارُ، يقال: أرضٌ جرُزٌ لا نباتَ فيها وسَنةٌ جرُزٌ لا مطر فيها. قال الفراء: جُرِزَت الأرضُ فهي مجرُوزة أي ذهب نباتُها بقحط أو جراد، ويقال: جرَزها الجرادُ والشاةُ والإبلُ إذا أكلت ما عليها، وهذه الجملةُ لتكميل ما في السابقة من التعليل، والمعنى لا تحزنْ بما عاينْتَ من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب فإنا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياءِ زينةً لها لنختبرَ أعمالَهم فنجازِيَهم بحسبها وإنا لَمُفْنون جميعَ ذلك عن قريب ومجازون لهم بحسب أعمالهم.

{ أَمْ حَسِبْتَ } الخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمرادُ إنكارُ حُسبانِ أمّته، وأم منقطعةٌ مقدّرة ببل التي هي للانتقال من حديث إلى حديث لا للإبطال، وبهمزة الاستئنافِ عند الجمهور وببل وحدها عند غيرِهم أي بل أحسبت { أَنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ } في بقائهم على الحياة مدةً طويلةً من الدهر { مِنْ ءايَـٰتِنَا } من بـين آياتِنا التي من جملتها ما ذكرناه مِنْ جعْل ما على الأرض زينةً لها للحكمة المشارِ إليها ثم جعلِ ذلك كلِّه صعيداً جرُزاً كأن لم تغْنَ بالأمس { عَجَبًا } أي آيةً ذاتَ عجَبٍ وضْعاً له موضعَ المضاف أو وصفاً لذلك بالمصدر مبالغةً، وهو خبرٌ لكانوا ومن آياتنا حالٌ منه، والمعنى أن قصّتَهم وإن كانت خارقةً للعادات ليست بعجيبة بالنسبة إلى سائر الآياتِ التي من جملتها ما ذكر من تعاجيب خلق الله تعالى بل هي عندها كالنزْر الحقير، والكهفُ الغارُ الواسعُ في الجبل والرقيمُ كلبُهم، قال أمية بن أبـي الصَّلت: [الطويل]

وليس بها إلا الرقيمُ مجاوراوصيدُهمُ والقومُ في الكهف هُمَّدُ

وقيل: هو لوحٌ رصاصيٌّ أو حجَري رُقمت فيه أسماؤُهم وجُعل على باب الكهفِ، وقيل: هو الوادي الذي فيه الكهفُ فهو من رَقْمة الوادي أي جانبِه، وقيل: الجبلُ، وقيل: قريتُهم، وقيل: مكانُهم بـين غضبانَ وأيْلةَ دون فلسطين، وقيل: أصحابُ الرقيم آخرون وكانوا ثلاثةً انطبق عليهم الغارُ فنجَوْا بذكر كلَ منهم أحسنَ عمله على ما فُضِّل في الصحيحين.