خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً
٦٨
ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً
٦٩
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً
٧٠
-مريم

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَوَرَبّكَ } إقسامُه باسمه ـ عزّت أسماؤه مضافاً إلى ضميره عليه السلام ـ لتحقيق الأمرِ بالإشعار بعلّيته وتفخيمِ شأنِه عليه الصلاة والسلام ورفع منزلتِه { لَنَحْشُرَنَّهُمْ } لنجمعَن القائلين بالسَّوق إلى المحشر بعد ما أخرجناهم من الأرض أحياءً، ففيه إثباتٌ للبعث بالطريق البرهانيّ على أبلغ وجهٍ وآكَدِه كأنه أمرٌ واضحٌ غنيٌّ عن التصريح به، وإنما المحتاجُ إلى البـيان ما بعد ذلك من الأهوال { وَٱلشَّيَـٰطِينَ } معطوفٌ على الضمير المنصوبِ أو مفعول معه. روي أن الكفرةَ يُحشرون مع قرنائهم من الشياطين التي كانت تُغْويهم، كلٌّ منهم مع شيطانه في سلسلة، وهذا وإن كان مختصاً بهم لكن ساغ نسبتُه إلى الجنس باعتبار أنهم لما حُشروا وفيهم الكفرةُ مقرونين بالشياطين فقد حشروا معهم جميعاً كما ساغ نسبةُ القولِ إلى المحكيّ إليه مع كون القائل بعضَ أفراده { ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } ليرى السعداءُ ما نجاهم الله تعالى منه فيزدادوا غِبطةً وسروراً وينالَ الأشقياءُ ما ادخّروا لِمَعادهم عُدّةً ويزدادوا غيظاً من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتِهم بهم، والجِثيُّ جمع جاثٍ من جثا إذا قعد على ركبتيه، وأصلُه جُثُوْوٌ بواوين فاستُثقل اجتماعُهما بعد ضمتين فكسرت الثاءُ للتخفيف فانقلبت الواوُ ياءً وأُدغمت فيها الياء الأولى وكُسرت الجيم إتباعاً لما بعدها وقرىء بضمها، ونصبُه على الحالية من الضمير البارز أي لنُحضرنهم حول جهنم جاثين على رُكَبهم لما يدهَمُهم من هول المطلَعِ أو لأنه من توابع التواقُفِ للحساب قبل التواصُل إلى الثواب والعقاب، فإن أهلَ الموقف جاثون كما ينطِق به قوله تعالى: { { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } [الجاثية: 28] على ما هو المعتادُ في مواقف التقاول، وإن كان المرادُ بالإنسان الكفرةَ فلعلهم يساقون من الموقف إلى شاطىء جهنم جُثاةً إهانةً بهم أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من الشدة.

{ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ } أي من كل أمةٍ شايعت ديناً من الأديان { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } أي مَنْ كان منهم أعصى وأعتى فنطرَحهم فيها، وفي ذكر الأشدّ تنبـيهٌ على أنه تعالى يعفو عن بعضٍ من أهل العصيان. وعلى تقدير تفسير الإنسانِ بالكفرة فالمعنى إنا نميز من كل طائفةٍ منهم أعصاهم فأعصاهم وأعتاهم فأعتاهم فنطرحهم في النار على الترتيب أو نُدخل كلاًّ منهم طبقتَها اللائقةَ به. وأيُّهم مبنيٌّ على الضم عند سيبويه لأن حقه أن يُبنى كسائر الموصولاتِ لكنه أُعرب حملاً على كلٍ وبعض للزوم الإضافة، وإذا حُذف صدرُ صلتِه زاد نقصُه فعاد إلى حقه، وهو منصوبُ المحل بننزعنّ ولذلك قرىء منصوباً، ومرفوعٌ عند غيره بالابتداء على أنه استفهاميٌّ وخبرُه أشدُّ والجملةُ محكيةٌ، والتقديرُ لننزعَنّ من كل شيعةٍ الذين يقال لهم أيُّهم أشدُّ، أو مُعلّقٌ عنها لننزعن لتضمّنه معنى التميـيزِ اللازمِ للعلم، أو مستأنفةٌ والفعل واقعٌ على كل شيعة كقوله تعالى: { { وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا } [مريم: 50] و(على) للبـيان فيتعلق بمحذوف كأنّ سائلاً قال: على مَنْ عتَوا؟ فقيل: على الرحمٰن، أو متعلقٌ بأفعل وكذا الباءُ في قوله تعالى { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } أي هم أولى بالنار وهم المنتزَعون، ويجوز أن يراد بهم وبأشدِّهم عِتيًّا رؤساءُ الشِيَع فإن عذابَهم مضاعفٌ لضلالهم وإضلالهم، والصِّليُّ كالعِتيّ صيغةً وإعلالاً وقرىء بضم الصاد.