خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ
٣٦
-البقرة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ عَنْهَا } أي أصدر زلَّتَهما أي زلَقَهما وحملهما على الزلة بسببها، ونظيرُه عن هذه ما في قوله تعالى: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى } [الكهف، الآية 82] أو أزلهما عن الجنة بمعنى أذهبَهما وأبعدهما عنها، يقال: زلَّ عني كذا إذا ذهب عنك، ويعضدُه قراءة (أزالهما) وهما متقاربان في المعنى. فإن الإزلالَ أي الإزلاق يقتضي زوالَ الزالِ عن موضعه ألبتة. وإزلالُه قولَه لهما: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [طه، الآية 120] وقوله: { مَا نَهَـٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ } [الأعراف، الآية 20] ومقاسَمتُه لهما: { { إِنّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ } [الأعراف، الآية 21] وهذه الآياتُ مشعرةٌ بأنه عليه السلام لم يؤمر بسُكنى الجنةِ على وجه الخلود بل على وجه التكرمةِ والتشريفِ لما قُلِّد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها.

واختُلف في كيفية توصُّله إليهما بعد ما قيل له: { فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [الحجر، الآية 34. وسورة ص، الآية 77] فقيل: إنه إنما مُنع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخُلها الملائكةُ عليهم السلام ولم يُمنَعْ من الدخول للوسوسة ابتلاءً لآدمَ وحواءَ، وقيل: قام عند الباب فناداهما وقيل: تمثل بصورة دابةٍ فدخل ولم يعرِفْه الخَزَنة، وقيل: دخل في فم الحية فدخَل معها، وقيل: أرسل بعضَ أتباعه فأزلّهما والعلم عند الله سبحانه { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } أي من الجنة إن كان ضمير عنها للشجرة، والتعبـير عنها بذلك للإيذان بفخامتها وجلالتِها وملابستِهما له، أي من المكان العظيم الذي كانا مستقِرَّيْن فيه أو من الكرامة والنعيم إن كان الضميرُ للجنة { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ } الخطابُ لآدمَ وحواءَ عليهما السلام بدليل قوله تعالى: { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } [طه، الآية 123] وجُمعَ الضمير لأنهما أصلُ الجنس، فكأنهما الجنسُ كلُّهم، وقيل: لهما وللحية وإبليسَ على أنه أُخرج منها ثانياً بعدما كان يدخلها للوسوسة أو يدخلها مُسارقة، وأُهبط من السماء وقرىء بضم الباء { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } حال استغني فيها عن الواو بالضمير أي متعادِين يبغي بعضُكم على بعض بتضليله، أو استئنافٌ لا محل له من الإعراب، وإفراد العدوّ إما للنظر إلى لفظ البعض وإما لأن وِزانَه وِزانُ المصدر كالقول: { وَلَكُمْ فِى ٱلأرْضِ } التي هي محلُّ الإهباط، والظرفُ متعلق بما تعلق به الخبرُ أعني لكم من الاستقرار { مُّسْتَقِرٌّ } أي استقرارٌ أو موضعُ استقرار { وَمَتَـٰعٌ } أي تمتّعٌ بالعيش وانتفاعٌ به { إِلَىٰ حِينٍ } هو حين الموت على أن المُغيَّا تمتُّع كلِّ فردٍ من المخاطبـين، أو القيامة، على أنه تمتع الجنس في ضمن بعض الأفراد والجملة كما قبلها في كونها حالاً أي مستحقين للاستقرار والتمتع أو استئنافاً.