خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً
١٠٩
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً
١١٠
وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً
١١١
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
١١٢
-طه

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَوْمَئِذٍ } أي يوم إذ يقع ما ذُكر من الأمور الهائلةِ { لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ } من الشفعاء أحداً { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } أن يشفع له { وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً } أي ورضيَ لأجله قولَ الشافع في شأنه أو رضي قوله لأجله وفي شأنه، وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإنْ فُرِضَ صدورُها عن الشفعاء المتصدّين للشفاعة للناس كقوله تعالى: { { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ } [المدثر: 48] فالاستثناءُ كما ترى من أعم المفاعيل، وأما كونُه استثناءً من الشفاعة على معنى لا تنفع الشفاعةُ إلا شفاعةُ من أذِن له الرحمٰنُ أن يشفع لغيره كما جوزوه، فلا سبـيل إليه لِما أن حُكم الشفاعةِ ممن لم يؤذَنْ له أن يملِكَها ولا تصدرُ هي عنه أصلاً كما في قوله تعالى: { { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [مريم: 87] وقوله تعالى: { { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [الأنبياء: 28] فالإخبارُ عنها بمجرد عدم نفعِها للمشفوع له ربما يوهم إمكانَ صدورِها عمن لم يؤذَنْ له مع إخلاله بمقتضى مقامِ تهويل اليوم، وأما قوله تعالى: { { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـٰعَةٌ } [البقرة: 48] فمعناه عدمُ الإذنِ في الشفاعة لا عدمُ قبولها بعد وقوعها { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي ما تقدمهم من الأحوال، وقيل: من أمر الدنيا { وَمَا خَلْفَهُمْ } وما بعدهم مما يستقبلونه، وقيل: من أمر الآخرة { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } أي لا تحيط علومُهم بمعلوماته تعالى، وقيل: بذاته أي من حيث اتصافُه بصفات الكمالِ التي من جملتها العلمُ الشاملُ، وقيل: الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعهما فإنهم لا يعلمون جميع ذلك ولا تفصيلَ ما علموا منه.

{ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىّ ٱلْقَيُّومِ } أي ذلت وخضعت خضوعَ العُناة أي الأُسارى في يد الملكِ القهارِ ولعلها وجوه المجرمين كقوله تعالى: { { سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الملك: 27] ويؤيده قوله تعالى: { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } قال ابن عباس رضي الله عنهما: خسِر من أشرك بالله ولم يتُب، وهو استئنافٌ لبـيان ما لأجله عنت وجوهُهم، أو اعتراضٌ، كأنه قيل: خابوا وخسِروا، وقيل: حالٌ من الوجوه ومَنْ عبارةٌ عنها مغنيةٌ عن ضميرها، وقيل: الوجوهُ على العموم فالمعنى حينئذ وقد خاب من حمل ظلماً فقوله تعالى: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } الخ، قسيمٌ لقوله: { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } لا لقوله تعالى: { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } الخ، كما أنه كذلك على الوجه الأول أي ومن يعملْ بعضَ الصالحات أو بعضاً من الصالحات على أحد الوجهين المذكورين في تفسير قوله تعالى: { مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ } { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } فإن الإيمان شرطٌ في صحة الطاعاتِ وقَبول الحسنات { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً } أي منْعَ ثوابٍ مستحَقٍ بموجب الوعد { وَلاَ هَضْماً } ولا كسْراً منه يَنْقُص، أو لا يخاف جزاءَ ظلمٍ وهضْمٍ إذ لم يصدُر عنه ظلمٌ ولا هضمٌ حتى يخافَهما، وقرىء فلا يخَفْ على النهي.