خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ
١٣٠
وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
١٣١
-طه

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } أي إذا كان الأمرُ على ما ذكر من أن تأخيرَ عذابِهم ليس بإهمال بل إمهالٍ وأنه لازمٌ لهم البتةَ، فاصبِرْ على ما يقولون من كلمات الكفرِ فإن علمه عليه السلام بأنهم معذبون لا محالة مما يسلّيه ويحمِلُه على الصبر { وَسَبّحْ } ملتبساً { بِحَمْدِ رَبّكَ } أي صلِّ وأنت حامدٌ لربك الذي يبلّغك إلى كمالك على هدايته وتوفيقِه، أو نزِّهه تعالى عما ينسُبونه إليه مما لا يليق بشأنه الرفيعِ حامداً له على ما ميّزك بالهدى معترفاً بأنه مولى النّعم كلِّها، والأولُ هو الأظهرُ المناسبُ لقوله تعالى: { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } الخ، فإن توقيت التنزيه غيرُ معهودٍ فالمرادُ صلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } يعني صلاتي الظهرِ والعصر لأنهما قبل غروبِها بعد زوالها، وجمعُهما لمناسبة قوله تعالى: { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ صَـلَوٰةِ العَصْرِ } { وَمِنْ ءانَاء ٱلَّيْلِ } أي من ساعاته جمع إِنى بالكسر والقصر، وآناء بالفتح والمد { فَسَبّحْ } أي فصلِّ والمرادُ به المغربُ والعشاءُ إيذاناً باختصاصهما بمزيد الفضلِ فإن القلبَ فيهما أجمعُ والنفسَ إلى الاستراحة أميلُ فتكون العبادةُ فيهما أشقَّ، ولذلك قال تعالى: { { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [المزمل: 6] { وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } تكريرٌ لصلاة الفجر والمغرِب إيذاناً باختصاصهما بمزيد مزيةٍ، ومجيئُه بلفظ الجمعِ لأمن الإلباس كقول من قال: ظَهراهما مثلُ ظهورِ التُّرسين، أو أمرٌ بصلاة الظهر فإنه نهايةُ النصفِ الأول من النهار وبدايةُ النصف الأخيرِ، وجمعُه باعتبار النصفين أو لأن النهارَ جنسٌ أو أمرٌ بالتطوع في أجزاء النهار { لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } متعلقٌ بسبح أي في هذه الأوقات رجاءَ أن تنال عنده تعالى ما ترضَى به نفسُك، وقرىء تُرضَى على صيغة البناء للمفعول من أرضىٰ أي يُرضيك ربك.

{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي لا تُطِلْ نظرَهما بطريق الرغبة والميل { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } من زخارف الدنيا، وقوله تعالى: { أَزْوٰجاً مّنْهُمْ } أي أصنافاً من الكَفَرة مفعول متّعنا قُدّم عليه الجارُّ والمجرور للاعتناء به، أو هو حالٌ من الضمير والمفعولُ منهم أي إلى الذي متعنا به وهو أصنافُ وأنواعُ بعضِهم على أنه معنى مِنْ التبعيضية، أو بعضاً منهم على حذف الموصوفِ كما مر مراراً { زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } منصوبٌ بمحذوف يدل عليه متعنا أي أعطينا أو به على تضمين معناه، أو بالبدلية من محل به أو من أزواجاً بتقدير مضافٍ أو بدونه، أو بالذم وهي الزينةُ والبهجةُ، وقرىء زهَرةَ بفتح الهاء وهي لغة كالجهَرة في الجهْرة أو جمعُ زاهر، وصفٌ لهم بأنهم زاهِرو الدنيا لتنعُّمهم وبهاءِ زِيِّهم بخلاف ما عليه المؤمنون الزهّاد { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } متعلقٌ بمتعنا جيء به للتنفير عنه ببـيان سوءِ عاقبتِه مآلاً إثرَ إظهارِ بهجتِه حالاً، أي لنعاملهم معاملةَ من يبتليهم ويختبرُهم فيه أو لنعذّبهم في الآخرة بسببه { وَرِزْقُ رَبّكَ } أي ما ادخّر لك في الآخرة أو ما رزقك في الدنيا من النبوة والهدى { خَيْرٌ } مما منحهم في الدنيا لأنه مع كونه في نفسه أجلَّ ما يتنافس فيه المتنافسون مأمونُ الغائلةِ بخلاف ما منحوه { وَأَبْقَىٰ } فإنه لا يكاد ينقطع نفْسُه أو أثرُه أبداً كما عليه زهرة الدنيا.