خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً
٩٨
كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً
٩٩
-طه

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ } استئناف مَسوقٌ لتحقيق الحقِّ إثرَ إبطالِ الباطل بتلوين الخطابِ وتوجيهِه إلى الكل، أي إنما معبودُكم المستحقُّ للعبادة الله { ٱلَّذِى لا إِلَـٰهَ } في الوجود لشيء من الأشياء { إِلاَّ هُوَ } وحده من غير أن يشاركَه شيءٌ من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكامُ الألوهية، وقرىء الله لا إلٰه إلا هو الرحمٰنُ ربُّ العرش وقوله تعالى: { وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً } أي وسع علمُه كلَّ ما من شأنه أن يُعلم بدلٌ من الصلة، كأنه قيل: إنما إلٰهُكم الله الذي وسع كلَّ شيءٍ علماً لا غيرُه كائناً ما كان فيدخل فيه العِجْلُ دخولاً أولياً، وقرىء وسّع بالتشديد فيكون انتصابُ عِلْماً على المفعولية لأنه على القراءة الأولى فاعلٌ حقيقةً، وبنقل الفعل إلى التعدية إلى المفعولين صار الفاعل مفعولاً أولاً، كأنه قيل: وسِع علمُه كلَّ شيء وبه تم حديثُ موسى عليه السلام المذكورُ لتقرير أمر التوحيدِ حسبما نطقت به خاتمتُه.

وقوله تعالى: { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ } كلامٌ مستأنف خوطب به النبـيُّ عليه السلام بطريق الوعدِ الجميل بتنزيل أمثالِ ما مر من أنباء الأممِ السالفة، وذلك إشارةٌ إلى اقتصاص حديثِ موسى عليه السلام، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلو رتبتِه وبُعدِ منزلتِه في الفضل، ومحلُّ الكاف النصبُ على أنه نعتٌ لمصدر مقدّر أي نقص عليك { مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ } من الحوادث الماضيةِ الجارية على الأمم الخاليةِ قصًّا مثلَ ذلك القَصِّ المارِّ، والتقديمُ للقصر المفيدِ لزيادة التعيـين، ومن في قوله تعالى: { مِنْ أَنْبَاء } في حيز النصب إما على أنه مفعولُ نقُصّ باعتبار مضمرٍ فيه وإما على أنه متعلقٌ بمحذوف هو صفةٌ للمفعول كما في قوله تعالى: { { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } [الجن: 11] أي جمْعٌ دون ذلك، والمعنى نقصّ عليك بعضَ أنباءِ ما قد سبق أو بعضاً كائناً من أنباء ما قد سبق، وقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى: { { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } [البقرة: 8] الخ، وتأخيرُه عن عليك لما مر مراراً الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أي مثلَ ذلك القصِّ البديعِ الذي سمِعتَه نقصّ عليك ما ذكر من الأنباء لا قصًّا ناقصاً عنه تبصِرةً لك وتوقيراً لعلمك وتكثيراً لمعجزاتك وتذكيراً للمستبصرين من أمتك.

{ وَقَدْ اتَيْنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } أي كتاباً منطوياً على الأقاصيص والأخبارِ حقيقاً بالتفكير والاعتبار، وكلمةُ مِنْ متعلقةٌ بآتيناك وتنكيرُ ذكراً للتفخيم وتأخيرُه عن الجارّ والمجرور لما أن مرجِعَ الإفادةِ في الجملة كونُ المُؤْتىٰ من لدنه تعالى ذكراً عظيماً وقرآناً كريماً جامعاً لكل كمالٍ، لا كونُ ذلك الذي مر مُؤْتى من لدنه عز وجل مع ما فيه من نوع طولٍ بما بعده من الصفة، فتقديمُه يذهب برونق النظمِ الكريم.