خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ
١٠٤
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ
١٠٥
إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ
١٠٦
-الأنبياء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء } بنون العظمة منصوبٌ باذكرْ، وقيل: ظرفٌ لقوله تعالى: { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ } وقيل: بتتلقاهم، وقيل: حالٌ مقدرة من الضمير المحذوفِ في توعدون والطيُّ ضدُّ النشر، وقيل: المحوِ، وقرىء يُطوى بالياء والتاء والبناء للمفعول { كَطَىّ ٱلسّجِلّ } وهي الصحيفة أي طياً كطيّ الطوُّمار، وقرىء السَّجْل كلفظ الدلو وبالكسر والسُّجُلّ على وزن العُتُلّ وهما لغتان واللام في قوله تعالى: { لِلْكُتُبِ } متعلقةٌ بمحذوف هو حال من السجلّ أو صفةٌ له على رأي من يجوّز حذفَ الموصولِ مع بعض صلتِه، أي كطي السجل كائناً للكتب أو الكائن للكتب فإن الكتبَ عبارةٌ عن الصحائف وما كتب فيها فسجلُّها بعضُ أجزائها وبه يتعلق الطيُّ حقيقةً، وقرىء للكتاب وهو إما مصدرٌ واللامُ للتعليل أي كما يُطوى الطومارُ للكتابة أو اسم كالإمام فاللامُ كما ذكر أولاً، وقيل: السجلُّ اسمُ ملَكٍ يطوي كتبَ أعمالِ بني آدمَ إذا رُفعت إليه، وقيل: هو كاتبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } أي نعيد ما خلقناه مبتدأً إعادةً مثلَ بدئنا إياه في كونها إيجاداً بعد العدم أو جمعاً من الأجزاء المتبدّدة، والمقصودُ بـيانُ صِحّةِ الإعادةِ بالقياس على المبدأ لشمول الإمكانِ الذاتي المصحّح للمقدورية وتناولِ القدرة لهما على السواء، وما كافةٌ أو مصدرية وأولَ مفعولٌ لبدأنا أو لفعل يفسّره نعيده، أو موصولةٌ والكافُ متعلقةٌ بمحذوف يفسره نعيده أي نعيدُه مثل الذي بدأناه وأولَ خلقٍ ظرفٌ لبدأنا أو حالٌ من ضمير الموصول المحذوف { وَعْداً } مصدرٌ مؤكد لفعله ومقرّرٌ لنعيده أو منتصبٌ به لأنه عِدَةٌ بالإعادة { عَلَيْنَا } أي علينا إنجازُه { إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ } لما ذكر لا محالة.

{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ } هو كتابُ داودَ عليه السلام، وقيل: هو اسمٌ لجنس ما أُنزل على الأنبـياء عليهم السلام { مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ } أي التوراةِ وقيل: اللوحِ المحفوظ أي وبالله لقد كتبنا في كتاب داودَ بعد ما كتبنا في التوراة أو كتبنا في جميع الكتب المنزلة بعد ما كتبنا وأثبتنا في اللوح المحفوظ { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ } أي عامةُ المؤمنين بعد إجلاءِ الكفار، وهذا وعدٌ منه تعالى بإظهار الدينِ وإعزازِ أهلِه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن المرادَ أرضُ الجنة كما ينبىء عنه قوله تعالى: { { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء } [الزمر: 47]، وقيل: الأرضُ المقدسة يرثها أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم.

{ إِنَّ فِى هَـٰذَا } أي فيما ذكر في السورة الكريمة من الأخبار والمواعظِ البالغة والوعدِ والوعيد والبراهينِ القاطعة الدالة على التوحيد وصحةِ النبوة { لَبَلَـٰغاً } أي كفايةً أو سببَ بلوغٍ إلى البُغية { لّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ } أي لقوم همُّهم العبادةُ دون العادة.