خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
٢
لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ
٣
-الأنبياء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ } من طائفة نازلةٍ من القرآن تذكّرهم ذلك أكملَ تذكيرٍ وتنبّههم عن الغفلة أتمَّ تنبـيهٍ، كأنها نفسُ الذكر، ومن في قوله تعالى: { مّن رَّبّهِمُ } لابتداء الغايةِ مجازاً متعلقةٌ بـيأتيهم أو بمحذوف هو صفةٌ لذكر، وأياً ما كان ففيه دِلالةٌ على فضله وشرفِه وكمالِ شناعةِ ما فعلوا به، والتعرضُ لعنوان الربوبـية لتشديد التشنيع { مُّحْدَثٍ } بالجر صفةٌ لذكر، وقرىء بالرفع حملاً على محلّه أي محدَثٌ تنزيلُه بحسب اقتضاءِ الحكمةِ وقوله تعالى: { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ } استثناءٌ مفرَّغٌ محلُّه النصبُ على أنه حالٌ من مفعول يأتيهم بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور، وقوله تعالى: { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } حالٌ من فاعل استمعوه، وقوله تعالى: { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } إما حالٌ أخرى منه أو من واو يلعبون والمعنى ما يأتيهم ذكرٌ من ربهم محدَثٌ في حال من الأحوال إلا حالَ استماعِهم إياه لاعبـين مستهزئين به لاهين عنه، أو لاعبـين به حالَ كون قلوبِهم لاهيةً عنه لتناهي غفلتِهم وفرْطِ إعراضِهم عن النظر في الأمور والتفكرِ في العواقب، وقرىء لاهيةٌ بالرفع على أنه خبرٌ بعد خبر { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } كلامٌ مستأنفٌ مَسوق لبـيان جنايةٍ خاصة إثرَ حكايةِ جناياتهم المعتادة، والنجوى اسمٌ من التناجي ومعنى إسرارِها ـ مع أنها لا تكون إلا سرًّا ـ أنهم بالغوا في إخفائها أو أسروا نفسَ التناجي بحيث لم يشعُر أحدٌ بأنهم متناجون، وقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بدلٌ من واو أسروا منبىء عن كونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما أسروا به، أو هو مبتدأٌ خبرُه أسروا النجوى قُدّم عليه اهتماماً به، والمعنى هم أسرّوا النجوى فوُضِع الموصولُ موضعَ الضمير تسجيلاً على فعلهم بكونه ظلماً أو منصوبٌ على الذم، وقوله: { هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } الخ، في حيّز النصبِ على أنه مفعولٌ لقول مضمرٍ هو جوابٌ عن سؤال نشأ عما قبله، كأنه قيل: ماذا قالوا في نجواهم؟ فقيل: قالوا هل هذا الخ، أو بدلٌ من أسرّوا أو معطوفٌ عليه أو على أنه بدلٌ من النجوى، أي أسروا هذا الحديثَ وهل بمعنى النفي والهمزة في قوله تعالى: { أَفَتَأْتُونَ ٱلسّحْرَ } للإنكار والفاء للعطف على مقدّر يقتضيه المقام، وقوله تعالى: { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } حال من فاعل تأتون مقرِّرة للإنكار ومؤكدةٌ للاستبعاد، والمعنى ما هذا إلا بشرٌ مثلُكم أي من جنسكم وما أتى به سحرٌ، أتعلمون ذلك فتأتونه وتحضُرونه على وجه الإذعان والقَبول وأنتم تعاينون أنه سحر قالوه بناءً على ما ارتكز في اعتقادهم الزائغِ أن الرسولَ لا يكون إلا ملَكاً وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبـيل السحر، وزل عنهم أن إرسالَ البشر إلى عامة البشر هو الذي تقتضيه الحكمةُ التشريعية قاتلهم الله أنى يؤفكون، وإنما أسروا ذلك لأنه كان على طريق توثيقِ العهدِ وترتيب مبادي الشرِّ والفساد وتمهيدِ مقدمات المكرِ والكيد في هدم أمرِ النبوة وإطفاءِ نورِ الدين والله متمٌّ نورَه ولو كره الكافرون.