خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ
٢١
لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
٢٢
-الأنبياء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَمِ ٱتَّخَذُواْ ءَالِهَةً } حكايةٌ لجناية أخرى من جناياتهم بطريق الإضرابِ والانتقال من فن إلى فن آخر من التوبـيخ إثرَ تحقيق الحقِّ ببـيان أنه تعالى خلق جميع المخلوقات على منهاج الحكمة وأنهم قاطبةً تحت ملكوته وقهره وأن عبادَه مذعنون لطاعته ومثابرون على عبادته منزِّهون له عن كل ما لا يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها الأندادُ، ومعنى الهمزة في (أم) المنقطعة إنكارُ الوقوعِ لا إنكار الواقع وقوله تعالى: { مّنَ ٱلأَرْضِ } متعلقٌ باتخذوا أو بمحذوف هو صفة لآلهة وأياً ما كان فالمرادُ هو التحقيرُ لا التخصيصُ، وقوله تعالى: { هُمْ يُنشِرُونَ } أي يَبعثون الموتى، صفةٌ لآلهةً وهو الذي يدور عليه الإنكارُ والتجهيلُ والتشنيع لا نفسُ الاتخاذ فإنه واقعٌ لا محالة أي بل اتخذوا آلهةً من الأرض هم خاصة مع حقارتهم وجماديتهم يُنشِرون الموتى، كلا، فإن ما اتخذوها آلهةً بمعزل من ذلك وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحاً لكنهم حيث ادَّعَوا لها الإلٰهيةَ فكأنهم ادّعَوا لها الإنشارَ ضرورةَ أنه من الخصائص الإلٰهية حتماً، ومعنى التخصيص في تقديم الضمير ما أشير إليه من التنبـيه على كمال مباينةِ حالهم للإنشار الموجبةِ لمزيد الإنكار كما في قوله تعالى: { { أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّ } [إبراهيم: 10] وقوله تعالى: { { أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } [التوبة: 65] فإن تقديمَ الجار والمجرور للتنبـيه على كمال مباينةِ أمرِه تعالى لأن يُشَك فيه ويُستهزأَ به، ويجوز أن يُجعلَ ذلك من مستتبعات إدّعائِهم الباطلِ لأن الألوهيةَ مقتضيهٌ للاستقلال بالإبداء والإعادة فحيث ادَّعَوا للأصنام الإلٰهيةَ فكأنهم ادَّعوا لها الاستقلالَ بالإنشار كما أنهم جعلوا بذلك مدّعين لأصل الإنشار.

{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ } إبطالٌ لتعدد الإلٰه بإقامة البرهان على انتفائه بل على استحالته، وإيرادُ الجمع لوروده إثرَ إنكار اتخاذِ الآلهة لا لأن للجمعية مدخلاً في الاستدلال وكذا فرضُ كونِهما فيهما وإلا بمعنى غير على أنها صفةٌ لآلهة، ولا مساغَ للإستثناء لاستحالة شمولِ ما قبلها وما بعدها وإفضائِه إلى فساد المعنى لدلالته حينئذ على أن الفسادَ لكونها فيهما بدونه تعالى ولا للرفع على البدل لأنه متفرّع على الاستثناء ومشروطٌ بأن يكون في كلامٍ غيرِ موجب، أي لو كان في السموات والأرض آلهةٌ غيرُ الله كما هو اعتقادُهم الباطل { لَفَسَدَتَا } أي لبطلتا بما فيهما جميعاً وحيث انتفى التالي عُلم انتفاءُ المقدّم قطعاً ببـيان الملازمة أن الإلٰهيةَ مستلزِمةٌ للقدرة على الاستبداد بالتصرف فيهما على الإطلاق تغيـيراً وتبديلاً وإيجاداً وإعداماً وإحياءً وإماتة، فبقاؤهما على ما هما عليه إما بتأثير كل منها وهو محالٌ لاستحالة وقوعِ المعلولِ المعيّن بعلل متعددة، وإما بتأثير واحدٍ منها فالبواقي بمعزل من الإلٰهية قطعاً، واعلم أن جعلَ التالي فسادَهما بعد وجودِهما لِما أنه اعتُبر في المقدم تعددُ الآلهةِ فيهما وإلا فالبرهانُ يقضي باستحالة التعدد على الإطلاق، فإنه لو تعدد الإلٰهُ فإنْ توافقَ الكلِّ في المراد تطاردت عليه القُدَرُ وإن تخالفت تعاوقت فلا يوجد موجودٌ أصلاً وحيث انتفى التالي تعيّن انتفاءُ المقدّم والفاء في قوله تعالى:

{ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان، أي فسبحوه سبحانه اللائقَ به ونزّهوه عما لا يليق به من الأمور التي من جملتها أن يكون له شريكٌ في الألوهية، وإيرادُ الجلالة في موضع الإضمارِ للإشعار بعلة الحُكم فإن الألوهيةَ مناطٌ لجميع صفاتِ كماله التي من جملتها تنزّهُه تعالى عما لا يليق به ولتربـية المهابةِ وإدخالِ الروعة وقوله تعالى: { رَبُّ ٱلْعَرْشِ } صفةٌ للاسم الجليل مؤكدةٌ لتنزّهه عز وجل { عَمَّا يَصِفُونَ } متعلق بالتسبـيح أي فسبحوه عما يصفونه من أن يكون من دونه آلهةٌ.