خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ
٣٥
وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٣٦
لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ
٣٧
-الحج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } منه تعالى لإشراق أشعةِ جلاله عليها { وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ } من مشاقِّ التَّكاليفِ ومُؤناتِ النَّوائبِ. { وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ } في أوقاتها. وقُرىء بنصب الصَّلاةِ على تقدير النُّونِ. وقُرىء والمقيمينَ الصَّلاةَ على الأصلِ. { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } في وجوه الخيراتِ.

{ وَٱلْبُدْنَ } بضمِّ الباءِ وسكون الدَّالِ. وقُرىء بضمِّها. وهُما جَمْعا بَدَنةٍ، وقيل الأصلُ ضمُّ الدَّالِ كخُشُبٍ وخَشَبةٍ والتَّسكينُ تخفيفٌ منه. وقُرىء بتشديدِ النُّونِ على لفظِ الوقفِ. وإنَّما سُمِّيتْ بها الإبلُ لعظمِ بَدَنِها، مأخوذةٌ من بَدُنَ بَدَانةً وحيثُ شاركها البقرةُ في الإجزاءِ عن سبعةٍ بقوله صلى الله عليه وسلم: "البُدْنةُ عن سبعةٍ والبقرةُ عن سبعةٍ" جُعلا في الشَّريعةِ جنساً واحداً. وانتصابُه بمضمرٍ يفسِّرهُ: { جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ } وقُرىء بالرَّفعِ على أنَّه مبتدأٌ والجملةُ خبرُهُ. وقولُه تعالى: { مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } أي من أعلامِ دينهِ التي شرعها اللَّهُ تعالى. مفعولٌ ثانٍ للجعل. ولكُم ظرفُ لغوٍ متعلِّقٌ به. وقولُه تعالى: { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } أي منافعُ دينيَّةٌ ودنيويَّةٌ. جملة مستأنفةٌ مقرِّرةٌ لما قبلها.

{ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } بأنْ تقولُوا عند ذبحِها اللَّهُ أكبرُ لا إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ واللَّهُ أكبرُ اللهمَّ منكَ وإليكَ { صَوَافَّ } أي قائماتٍ قد صففنَ أيديهنَّ وأرجلهنَّ. وقُرىء صَوَافنَ من صَفن الفرسُ إذا قام على ثلاثٍ وعلى طرفِ سُنْبكِ الرَّابعةِ لأنَّ البدنةَ تُعقل إحدىٰ يديها فتقومُ على ثلاثٍ. وقُرىء صَوَافِنا بإبدالِ التَّنوينِ من حرفِ الإطلاقِ عند الوقفِ. وقُرىء صَوَافى أي خَوَالصَ لوجهِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ. وصَوَافْ على لغة مَن يُسكِّنُ الياءَ على الإطلاق كما في قوله

لعلِّي أَرىٰ باقْ على الحدئانِ

{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } سقطتْ على الأرضِ وهو كنايةٌ عن الموت { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ } الرَّاضيَ بما عنده من غير مسألةٍ، ويؤيِّدهُ أنَّه قُرىء القنع. أو السَّائلَ من قَنع إليه قُنوعاً إذا خضعَ له في السُّؤالِ { وَٱلْمُعْتَرَّ } أي المتعرِّضَ للسُّؤالِ. وقُرىء المُعتري يقال عَرّهُ وعَرَاهُ واعترَّهُ واعتراهُ { كَذٰلِكَ } مثلَ ذلك التَّسخيرِ البديعِ المفهوم من قوله تعالى: { سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ } مع كمالِ عظمِها ونهايةِ قوَّتِها فلا تستعصي عليكم حتَّى تأخذوها منقادةً فتعقِلونها وتحبسونها صافَّة قوائمها ثم تطعنونَ في لبَّاتِها { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لتشكرُوا إنعامَنا عليكم بالتَّقرُّب والإخلاصِ.

{ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ } أي لن يبلغَ مرضاتَهُ ولن يقعَ منه موقعَ القَبُولِ { لُحُومُهَا } المُتصدَّقُ بها { وَلاَ دِمَاؤُهَا } المُهَراقةُ بالنَّحر من حيثُ إنَّها لحومٌ ودماءٌ { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } ولكن يُصيبه تقوى قلوبِكم التي تدعُوكم إلى الامتثال بأمره تعالى وتعظيمه والتَّقرُّبِ إليه والإخلاصِ له. وقيل كانَ أهلُ الجاهليةِ يُلطِّخون الكعبةَ بدماءِ قَرَابـينهم فهمَّ به المُسلمون فنزلتْ: { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } تكرير للتَّذكير والتَّعليلِ بقوله تعالى: { لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ } أي لتعرفُوا عظمتَه باقتداره على ما لا يقدرُ عليه غيرُه فتوحِّدُوه بالكبرياءِ، وقيل هو التَّكبـيرُ عند الإحلالِ أو الذَّبحِ. { عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } أي أرشدَكُم إلى طريق تسخيرِها وكيفيَّة التَّقرُّبِ بها. وما مصدريةٌ أو موصولةٌ أي على هدايتِه إيَّاكم أو على ما هَدَاكُم إليه. وعلى متعلِّقةٌ بتكبِّروا لتضمُّنهِ معنى الشُّكرِ. { وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي المُخلصين في كلِّ ما يأتُون وما يذرُون في أمورِ دينهم.