خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
٥٨
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ
٥٩
ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٦٠
-الحج

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي في الجهادِ حسبما يلوحُ به قوله تعالى: { ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ } أي في تضاعيف المُهاجرة. ومحلُّ الموصول الرَّفعُ على الابتداء وقوله تعالى: { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ } جواب لقسم محذوفٍ والجملةُ خبرُه ومن منع وقوعَ الجملةِ القسميَّةِ وجوابِها خبراً للمبتدأ يُضمر قولاً هو الخبرُ والجملةُ محكمية. وقوله تعالى: { رِزْقًا حَسَنًا } إمَّا مفعول ثانٍ على أنَّه من باب الرَّعي والذَّبحِ أي مَرزوقاً حسناً أو مصدرٌ مؤكِّد والمراد به ما لا ينقطعُ أبداً من نعيمِ الجنَّةِ وإنَّما سوى بـينهما في الوعدِ لاستوائهما في القصد. وأصلُ العمل على أن مراتبَ الحُسنِ متفاوتةٌ فيجوزُ تفاوتُ حال المرزوقينَ حسب تفاوت الأرزاقِ الحسنةِ. ورُوي أنَّ بعضَ أصحابِ النَّبـيِّ عليه السَّلامُ قالوا: يا نبـيَّ الله هؤلاءِ الذين قُتلوا في سبـيلِ الله قد علمنا ما أعطاهُم الله تعالى من الخيرِ ونحنُ نجاهد معك كما جاهدُوا فما لنا إنْ مُتنا معك فنزلتْ. وقيل: نزلتْ في طوائفَ خرجُوا من مكَّةَ إلى المدينةِ للهجرةِ فتبعهم المشركونَ فقاتلُوهم { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرزِقِينَ } فإنَّه يرزق بغير حسابٍ مع أنَّ ما يرزقه لا يقدِرُ عليه أحدٌ غيرُه والجملة اعتراضٌ تذيـيليٌّ مقررٌ لما قبله وقوله تعالى: { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } بدلٌ من قوله تعالى: { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ } أو استئنافٌ مقرِّرٌ لمضمونه. ومُدخلاً إمَّا اسمُ مكانٍ أُريد به الجنَّة فهو مفعول ثانٍ للإدخال أو مصدرٌ ميميٌّ أُكِّد به فعلُه. قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: إنَّما قيل يَرضونه لما أنَّهم فيها يَرون ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خَطَر على قلبِ بشرٍ فيرضونه { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ } بأحوالِهم وأحوالِ معاديهم { حَلِيمٌ } لا يُعاجلهم بالعقوبة.

{ ذٰلِكَ } خبرُ مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك والجملةُ لتقرير ما قبله والتَّنبـيهِ على أنَّ ما بعده كلامٌ مستأنفٌ { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } أي لم يَزد في الاقتصاصِ وإنَّما سُمِّي الابتداءُ بالعقابِ الذي هو جزاءُ الجنايةِ للمشاكلةِ أو لكونِه سبباً له { ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ } بالمعاودة إلى العُقوبة { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } على مَن بغى عليه لا محالة { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي مبالغٌ في العفوِ والغُفرانِ فيعفُو عن المنتصرِ ويغفرُ له ما صدرَ عنه من ترجيحِ الانتقامِ على العفوِ والصبرِ المندوبِ إليهما بقوله تعالى: { { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ } [الشورى: 43] أي ما ذُكر من الصَّبرِ والمغفرةِ { { لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [الشورى: 43] فإنَّ فيه حثًّا بليغاً على العفوِ والمغفرةِ فإنَّه تعالى مع كمالِ قُدرتِه لمَّا كانَ يعفُو ويغفُر فغيرُه أَوْلى بذلك وتنبـيهاً على أنَّه تعالى قادرٌ على العقوبةِ إذ لا يُوصف بالعفوِ إلاَّ القادرُ على ضدِّهِ.