خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ
٦٤
لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ
٦٥
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ
٦٦
-المؤمنون

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ } أي متنعميهم وهم الذين أمدَّهم الله تعالى بما ذُكر من المالِ والبنينَ وحتَّى مع كونها غايةً لأعمالهم المذكورةِ مبدأ لما بعدها من مضمون الشَّرطيةِ أي لا يزالون يعملُون أعمالَهم إلى حيثُ إذا أخذنا رؤساءهم { بِٱلْعَذَابِ } قيل هو القتلُ والأسرُ يومَ بدرٍ، وقيل هو الجُوع الذي أصابهم حين دَعا عليهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بقوله: "اللهمَّ اشدُدْ وطأتكَ على مُضر واجعلها عليهم سنينَ كسِنِي يوسفَ" . فقحطُوا حتى أكلُوا الكلابَ والجِيفَ والعظامَ المحرقة والأولادَ. وأُلحق به العذابُ الأُخرويُّ إذ هو الذي يُفاجئون عنده الجؤارِ فيجابون بالردِّ والإقناطِ عن النَّصر وأما عذابُ يومِ بدرٍ فلم يُوجد لهم عنده جؤارٌ حسبما يُنبىءُ عنه قوله تعالى: { { وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [المؤمنون: 67] فإنَّ المرادَ بهذا العذاب ما جرى عليهم يومَ بدرٍ من القتلِ والأسرِ حَتْماً وأمَّا عذابُ الجوع فإنَّ أبا سُفيانَ وإنْ تضرَّع فيه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لكنْ لم يرد عليه بالإقناطِ حيث رُوي أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قد دَعَا بكشفِه فكُشفَ عنهم ذلك { إِذَا هُمْ يَجْئَرُونَ } أي فاجؤا الصُّراخَ بالاستغاثةِ من اللَّهِ عزَّ وجلَّ كقوله تعالى: { { فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [النحل: 53] وهو جوابُ الشَّرطِ. وتخصيصُ مُترفيهم بما ذُكر من الأخذِ بالعذابِ ومفاجأةِ الجؤارِ مع عمومه لغيرهم أيضاً لغايةِ ظهورِ انعكاسِ حالهم وانتكاسِ أمرِهم وكونِ ذلك أشقَّ عليهم ولأنَّهم مع كونهم متمنِّعين محميـينَ بحمايةِ غيرِهم من المنعةِ والحَشَم حين لقُوا ما لقُوا من الحالةِ الفظيعةِ فلأنْ يلقاها مَنْ عداهم من الحُماةِ والخدمِ أوْلى وأقدمُ.

{ لاَ تَجْـئَرُواْ ٱلْيَوْمَ } على إضمار القول مَسُوقاً لردِّهم وتبكيتهم وإقناطهم ممَّا علَّقوا به أطماعَهم الفارغة بتفويتهم وقتَ الجُؤارِ. وقد جُوِّز كونُه جوابَ الشَّرطِ، وأنت خبـيرٌ بأنَّ المقصودَ الأصليَّ في الجملةِ الشَّرطيةِ هو الجوابُ فيؤدِّي ذلك إلى أنْ يكونَ مفاجأتُهم إلى الجُؤارِ غيرَ مقصودٍ أصليَ. وقولُه تعالى: { إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } تعليلٌ للنَّهي عن الجُؤارِ ببـيانِ عدمِ إفادته ونفعهِ أي لا يلحقُكم من جهتِنا نصرةٌ تنجِّيكُم ممَّا دهمكُم وقيل لا تُغاثون ولا تُمنعون منَّا ولا يساعدُه سياقُ النَّظمِ الكريمِ لأنَّ جُؤارهم ليس إلى غيرِه تعالى حتَّى يرد عليهم بعدمِ منصوريّتهِم من قبلهِ ولا سياقهُ فإنَّ قوله تعالى: { قَدْ كَانَتْ ءايَـتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } الخ صريحٌ في أنَّه تعليلٌ لما ذكرنا من عدم لحوقِ النَّصرِ من جهته تعالى بسببِ كُفرِهم بالآياتِ ولو كانَ النَّصرُ المنفيُّ مُتوهَّماً من الغيرِ لعُلِّل بعجزه وذُلِّه أو بعزَّةِ الله تعالى وقوَّتهِ أي قد كانتْ آياتي تُتلى عليكم في الدُّنيا { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ } أي تُعرضون عن سماعها أشدَّ الإعراضِ فضلاً عن تصديقها والعملِ بها. والنُّكوصُ الرُّجوعُ قَهْقَرىٰ.