خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ
٢٥
-النور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

قولُه تعالى: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ } الخ، إمَّا متصلٌ بما قبلَه مسوقٌ لتقريرِ العذابِ المذكورِ بتعيـينِ وقتِ حلولِه وتهويلِه ببـيانِ ظهورِ جنايتِهم الموجبةِ له مع سائرِ جناياتِهم المستتبعةِ لعقوباتِها على كيفيةٍ هائلةٍ وهيئةٍ خارقةٍ للعاداتِ. فيومَ ظرفٌ لما في الجارِّ والمجرورِ المتقدمِ من معنى الاستقرارِ لا لعذابٌ وإنْ أغضينَا عن وصفِه لإخلالِه بجزالةِ المعنى. وإمَّا منقطعٌ عنه مسوقٌ لتهويلِ اليومِ بتهويلِ ما يحويهِ على أنَّه ظرفٌ لفعلٍ مؤخَّرٍ قد ضُرب عنه الذِّكرُ صَفْحاً للإيذانِ بقصورِ العبارةِ عن تفصيلِ ما يقعُ فيه من الطَّامةِ التَّامةِ والدَّاهيةِ العامةِ كأنَّه قيلَ: يومَ تشهدُ عليهم { أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يكونُ من الأحوالِ والأهوالِ ما لا يحيطُ به حيطةَ المقالُ على أنَّ الموصولَ المذكورَ عبارةٌ عن جميعِ أعمالِهم السَّيئةِ وجناياتِهم القبـيحةِ لا عن جنايتِهم المعهودةِ فَقَطْ ومعنى شهادةِ الجوارحِ المذكورةِ بها أنَّه تعالى يُنطقها بقدرته فتخبر كلُّ جارحةٍ منها بما صدرَ عنها من أفاعيل صاحبِها لا أنَّ كلاًّ منها يخبرُ بجنايتِهم المعهودةِ فحسب. والموصولُ المحذوفُ عبارةٌ عنها وعن فنونِ العُقوباتِ المترتبةِ عليها كافَّة لا عنْ إحداهما خاصَّة ففيهِ من ضروبِ التَّهويلِ بالإجمالِ والتَّفصيلِ ما لا مزيدَ عليه وجعلُ الموصولِ المذكورِ عبارةً عن خصوصِ جنايتِهم المعهودةِ وحملُ شهادةِ الجوارحِ على إخبارِ الكلِّ بها فَقَط تحجيرٌ للواسعِ وتهوينُ أمرِ الوازعِ والجمعُ بـين صيغتي الماضِي والمستقبلِ للدِّلالةِ على استمرارِهم عليها في الدُّنيا. وتقديمُ عليهم على الفاعل للمُسارعةِ إلى بـيانِ أنَّ الشَّهادةَ ضارةٌ لهم مع ما فيهِ من التَّشويقِ إلى المؤخرِ كما مرَّ مِراراً.

وقولُه تعالى: { يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } أي يومَ إذْ تشهدُ جوارحُهم بأعمالِهم القبـيحةِ يُعطيهم الله تعالى جزاءَهم الثَّابتَ الذي يحقِّقُ أنْ يثبتَ لهم لا محالةَ وافياً كاملاً. كلامٌ مبتدأٌ مسوقٌ لبـيانِ ترتيبِ حكمِ الشَّهادةِ عليها متضمنٌ لبـيانِ ذلك المهمِّ المحذوفِ على وجهِ الإجمالِ، ويجوزُ أنْ يكونَ يومَ تشهدُ ظرفاً ليوفِّيهم، ويومئذٍ بدلاً منه، وقيلَ: هو منصوبٌ على أنَّه مفعولٌ لفعلٍ مضمرٍ أي اذكُر يومَ تشهدُ. وقُرىء يومَ يشهدُ بالتَّذكير للفصل { وَيَعْلَمُونَ } عند معاينتِهم الأهوالَ والخُطوبَ حسبما نطقَ به القرآنُ الكريم { أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } الثَّابتُ الذي يحقُّ أنْ يثبت لا محالة في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه التي من جُملتها كلماتُه التَّاماتُ المنبئة عن الشُّؤونِ التي يُشاهدونها منطقة عليها { ٱلْمُبِينُ } المظهرُ للأشياءِ كما هي في أنفسِها أو الظَّاهرُ أنَّه هو الحقُّ وتفسيرُه بظهورِ ألوهيَّتِه تعالى وعدمِ مشاركةِ الغير له فيها وعدمِ قُدرة ما سواه على الثَّوابِ والعقابِ ليس له كثيرُ مناسبةٍ للمقام كما أنَّ تفسيرَ الحقِّ بذي الحقِّ البـيَّنِ العادل الظَّاهر عدلُه كذلك ولو تتبعتَ ما في الفُرقان المجيدِ من آياتِ الوعيدِ الواردةِ في حقِّ كلِّ كَفَّارٍ مريدٍ وجبَّارٍ عَنيدٍ لا تجدُ شيئاً منها فوقَ هاتيك القوارعِ المشحونةِ بفُنون التَّهديدِ والتَّشديدِ، وما ذاكَ إلاَّ لإظهار منزلةِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم في عُلُّو الشَّأنِ والنباهةِ وإبرازِ رُتبةِ الصِّدِّيقةِ رضي الله عنها في العِفَّةِ والنَّزاهةِ.