خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٢٧
فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٢٨
-النور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } إثرَ ما فُصل الزَّواجرُ عن الزِّنا وعن رميِ العفائف عنه شُرع في تفصيل الزَّواجر عمَّا عسى يُؤدِّي إلى أحدهما من مُخالطة الرِّجالِ بالنِّساءِ ودخولِهم عليهنَّ في أوقات الخلوات وتعليمِ الآدابِ الجميلة والأفاعيل المرضيَّة المستتبعة لسعادةِ الدَّارين ووصف البـيوت بمغايرة بـيوتِهم خارجٌ مخرجَ العادة التي هي سُكنى كلِّ أحدٍ في ملكه وإلا فالمآجر والمُعير أيضاٌ منهيَّانِ عن الدُّخول بغير إذنٍ. وقُرىء بِـيوتاً غيرَ بِـيوتكم بكسرِ الباءِ لإجلِ الياءِ { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } أي تستأذنوا مَن يملكُ الإذن من أصحابها من الاستئناس بمعنى الاستعلام من آنس الشيء إذا أبصره فإن المستأنس مستعلم للحال مستكشف أنه هل يؤذن له أو من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش لما أن المستأذن مستوحش خائف أن لا يؤذن له فإذا أذن له استأنس { وَتُسَلّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } عند الاستئذان. روي عن النبـي صلى الله عليه وسلم أن التسليم أن يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات فإن أذن له دخل وإلا رجع { ذٰلِكُمْ } أي الاستئذان مع التسليم { خَيْرٌ لَّكُمْ } من أن تدخلوا بغتة أو على تحية الجاهلية حيث كان الرجل منهم إذا أراد أن يدخل بـيتاً غير بـيته يقول: حيـيتم صباحاً حيـيتم مساء فيدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف. وروي "أن رجلاً قال للنبـي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال: نعم قال: ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كُلَّما دخلتُ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: فاستأذن" { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } متعلق بمضمر أي أمرتم به أو قيل لكم هذا كي تتذكروا وتتعظوا وتعملوا بموجبه.

{ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً } أي ممن يملك الإذن على أنَّ مَن لا يملكه من النِّساءِ والولدانُ وُجدانُه كفُقدانِه أو أحداً أصلاً على أنَّ مدلول النصِّ الكريم عبارةٌ هو النَّهي عن دُخول البـيوتِ الخاليةِ لما فيه من الاطلاع على ما يعتادُ النَّاسُ إخفاءَه مع أنَّ التَّصرفَ في ملك الغير محظورٌ مطلقاً وأمَّا حُرمة دخول ما فيه للنِّساءِ والولدان فثابتةٌ بدلالة النصِّ لأنَّ الدخول حيث حَرُمَ مع ما ذكر من العلَّة فلأن يحرُمَ عند انضمامِ ما هو أقوى منه إليه أعني الاطِّلاعَ على العَورات أَولى { فَلاَ تَدْخُلُوهَا } واصبروا { حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمُ } أي من جهة مَن يملكُ الإذنَ عند إتيانه. ومَن فسَّره بقوله: حتَّى يأتي مَن يأذنُ لكم أو حتَّى تجدوا من يأذن لكم فقد أبرز القطعيَّ في معرض الاحتمال، ولما كان جعلُ النَّهي بالإذنِ ممَّا يُوهم الرُّخصة في الانتظار على الأبواب مُطلقاً بل في تكرير الاستئذانِ ولو بعد الردِّ دُفع ذلك بقولِه تعالى: { وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ } أي إنْ أُمرتم من جهةِ أهلِ البـيتِ بالرُّجوع سواء كان الأمرُ ممَّن يملكُ الإذن أو لاَ فارجعُوا ولا تلحّوا بتكرير الاستئذانِ كما في الوجهِ الأول لا تلحوا بالإصرار على الانتظار إلى أنْ يأتيَ الآذنُ كما في الثَّاني فإنَّ ذلك ممَّا يجلبُ الكراهةَ في قلوب النَّاسِ ويقدحُ في المروءةِ أيَّ قدحٍ { هُوَ } أي الرُّجوعُ { أَزْكَىٰ لَكُمْ } أي أطهرُ ممَّا لا يخلُو عنه اللجُّ والعناد والوقوف على الأبواب من دنس الدناءةِ والرَّذالة { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فيعلم ما تأتون وما تذرون ممَّا كلفتموه فيجازيكم عليه.