خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ
٤٠
-النور

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَوْ كَظُلُمَـٰتٍ } عطفٌ على كسرابٍ وكلمةُ أو للتَّنويع إثرَ ما مُثِّلت أعمالُهم التي كانُوا يعتمدونَ عليها أقوى اعتمادٍ ويفتخرون بها في كلِّ وادٍ ونادٍ بما ذُكر من حال السَّرابِ مع زيادةِ حسابٍ وعقابٍ مُثِّلتْ أعمالُهم القبـيحةُ التي ليس فيها شائبةٌ خيريَّةٌ يغترُّ بها المغترُّون بظلماتٍ كائنة { فِى بَحْرٍ لُّجّىّ } أي عميقٍ كثيرِ الماءِ منسوبٍ إلى اللُّجِّ وهو معظمُ ماءِ البحرِ وقيل: إلى اللُّجَّةِ وهي أيضاً معظمُه { يَغْشَـٰهُ } صفة أُخرى للبحر أي يسترُه ويُغطِّيه بالكُلِّية { مَوْجٍ } وقولُه تعالى: { مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } جملةٌ مِن مبتدأ وخبرٍ محلُّها الرَّفعُ على أنَّها صفةٌ لموجٌ أو الصِّفةُ هي الجارُّ والمجرورُ وموجٌ الثَّانِي فاعلٌ له لاعتمادِه على الموصوفِ والكلامُ فيهِ كما مرَّ في قولِه تعالى: { { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } [النور: 35] أي يغشاهُ أمواجٌ متراكمةٌ متراكبةٌ بعضُها على بعضٍ، وقوله تعالى: { مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } صفةٌ لموجٌ الثَّاني على أحد الوجهينِ المذكُورينِ أي من فوق ذلك الموجِ سحابٌ ظلمانيٌّ ستَر أضواءَ النُّجومِ وفيه إيماءٌ إلى غايةِ تراكم الأمواجِ وتضاعفُها حتَّى كأنَّها بلغت السَّحابَ { ظُلُمَـٰتِ } خبرُ مبتدإٍ محذوفٍ أي هي ظلماتٌ { بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } أي متكاثفة متراكمة وهذا بـيان لكمال شدَّةِ الظُّلماتِ كما أنَّ قوله تعالى: { { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } [النور: 35] بـيانٌ لغاية قُوَّةِ النُّورِ خلا أنَّ ذلك متعلِّق بالمشبَّهِ وهذا بالمشبَّه به كما يُعرِبُ عنه ما بعده. وقُرىء بالجرِّ على الإبدالِ من الأُولى، وقُرىء بإضافةِ السَّحابِ إليها { إِذَا أَخْرَجَ } أي مَن ابتُليَ بها. وإضمارُه من غير ذكرِه لدلالة المَعْنى عليه دلالةً واضحة { يَدَهُ } وجعلها بمرأى منه قريبةً من عينه لينظرَ إليها { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } وهي أقربُ شيءٍ منه فضلاً عن أنْ يراها { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً } الخ، اعتراضٌ تذيـيليٌّ جيء به لتقرير ما أفاده التَّمثيلُ من كون أعمالِ الكَفَرةِ كما فُصِّل، وتحقيق أنَّ ذلك لعدمِ هدايتِه تعالى إيَّاهم لنورِه، وإيرادُ الموصولِ للإشارة بما في حيِّزِ الصِّلةِ إلى علَّة الحُكم وأنَّهم ممَّن لم يشأ الله تعالى هدايتَهم أي ومَن لم يشأ الله أنْ يهديَه لنوره الذي هُو القرآنُ هدايةً خاصَّةً مستتبعة للاهتداء حتماً ولم يُوفقه للإيمان به { فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } أي فما له هدايةٌ ما من أحدٍ أصلاً.