خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
٢٩
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
٣٠
أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
٣١
-النمل

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَتْ } أي بعدَ ما ذهبَ الهدهدُ بالكتابِ فألقاهُ إليهم وتنحَّى عنهم حسبما أُمر به، وإنَّما طُوي ذكرُه إيذاناً بكمالِ مسارعتِه إلى إقامةِ ما أُمر به من الخدمة وإشعاراً باستغنائه عن التَّصريحِ به لغايةِ ظهورِه. روُي أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كتب كتابَه وطبعه بالمسكِ وختَمه بخاتمِه ودفعَه إلى الهدهدِ فوجدَها الهدهدُ راقدةً في قصرِها بمأربَ وكانتْ إذا رقدتْ غلَّقتِ الأبوابِ ووضعتِ المفاتيحَ تحتَ رأسِها فدخلَ من كُوَّةٍ وطرحَ الكتابَ على نحرِها وهي مستلقيةٌ وقيل: نقرَها فانتبهتْ فَزِعةً وقيل أتاها والقادةُ والجنودُ حواليَها فرفرفَ ساعةً والنَّاسُ ينظرونَ حتَّى رفعتْ رأسَها فألقى الكتابَ في حجرِها وكانت قارئةً كاتبةً عربـيةً من نسلٍ تُبَّع الحميريِّ كَما مَرَّ فلما رأتِ الخاتمَ ارتعدتْ وخضعتْ، فعندَ ذلكَ قالتْ لأشرافِ قومِها { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلا إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } وصفتْه بالكرمِ لكرمِ مضمونِه أو لكونِه من عندَ ملكٍ كريمٍ أو لكونِه مختوماً أو لغرابةِ شأنِه ووصولِه إليها على منهاجٍ غيرِ معتادٍ.

{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } استئنافٌ وقعَ جواباً لسؤالٍ مقدرٍ كأنَّه قيل ممن هُو وماذا مضمونُه فقالتْ إنَّه منْ سُليمان { وَإِنَّهُ } أي مضمونُه أو المكتوبُ فيه { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وفيه إشارةٌ إلى سببِ وصفِها ايَّاه بالكرمِ. وقُرىء أنَّه وأنَّه بالفتحِ على حذفِ اللامِ كأنها عللتْ كرمَه بكونِه من سليمانَ وبكونِه مُصدَّراً باسمِ الله تعالى، وقيل: على أنَّه بدلٌ من كتابٌ. وقُرىء أنْ من سُليمان وأنْ بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ، على أنَّ أنْ المفسرةُ.

{ أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ } أنْ مفسرةٌ ولا ناهيةٌ أي لا تتكبروا كما يفعلُ جبابرةُ الملوكِ، وقيل: مصدريةٌ ناصبةٌ للفعلِ ولا نافيةٌ محلُّها الرَّفعُ على أنَّها بدلٌ من كتابٌ، أو خبرٌ لمبتدأٍ مضمرٍ يليقُ بالمقام، أي مضمونُه أنْ لا تعلُوا، أو النَّصبُ بإسقاطِ الخافضِ أي بأنْ لا تعلُوا عليَّ. وقُرىء ألا تغلُوا بالغينِ المعجمةِ أي لا تجاوزُوا حدَّكم. { وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ } أي مؤمنينَ وقيل: منقادينَ والأولُ هو الأليقُ بشأنِ النبـيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على أنَّ الإيمانَ مستتبعٌ للانقياد حتماً. روي أنَّ نسخةَ الكتابِ «من عبدِ اللَّهِ سليمانَ بنِ داودَ إلى بلقيسَ ملكةِ سبأً السَّلامُ على من اتبعَ الهُدَى أمَّا بعدُ فلا تعلُوا عليَّ وائتوني مسلمينَ» وليسَ الأمرُ فيه بالإسلامِ قبل إقامةِ الحجَّة على رسالتِه حتَّى يُتوهم كونُه استدعاءاً للتقليدِ فإنَّ إلقاء الكتابِ إليها على تلك الحالةِ معجزةٌ باهرةٌ دالَّةٌ على رسالةِ مُرسِلها دلالةً بـينةً.