خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ
٣٨
وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ
٣٩
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ
٤١
-القصص

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } قاله اللعينُ بعدَ ما جمعَ السَّحرةَ وتصدَّى للمُعارضةِ فكانَ من أمِرهم ما كانَ { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَـٰمَـٰنُ يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ } أي أصنعْ آجرَّاً { فَٱجْعَل لّي } منه { صَرْحاً } أي قصراً رفيعاً { لَّعَلّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } كأنَّه توهَّم أنَّه لو كان لكان جسماً في السَّماءِ يمكن الرُّقيُّ إليه ثم قال: { وَإِنّى لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } أو أرادَ أنْ يبنيَ له رَصَداً يترصَّدُ منه أوضاعَ الكواكبِ فيرى هل فيها ما يدلُّ على بعثةِ رسولٍ وتبدلِ دولتِه. وقيل: المرادُ بنفي العلمِ في المعلومِ كما في قولِه تعالى: { قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلأَرْضِ } [سورة يونس: الآية 18] فإنَّ معناهُ بما ليس فيهنَّ وهذا من خواصِّ العلومِ الفعليةِ فإنَّها لازمةٌ لتحققِ معلوماتِها فيلزم من انتفائِها انتفاءُ معلوماتِها ولا كذلكَ العلومُ الانفعاليةُ، قيل أولُ من اتَّخذَ الآجرَّ فرعونُ ولذلك أُمرِ باتخاذِه على وجهٍ يتضمَّنُ تعليمَ الصَّنعةِ مع ما فيهِ من تعظمٍ، ولذلك نادى هامانَ باسمهِ بـيا في وسطِ الكلامِ { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ } أرضِ مصرَ { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } بغيرِ استحقاقٍ { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ } بالبعثِ للجزاءِ. وقُرىء بفتحِ الياءِ وكسرِ الجيمِ من رجعَ رجُوعاً والأولُ من رجع رجعاً وهو الأنسبُ بالمقامِ.

{ فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ } عقيبَ ما بلغُوا من الكفرِ والعتُوِّ أقصى الغاياتِ { فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِي ٱلْيَمّ } قد مرَّ تفصيلُه وفيه من تفخيمِ شأنِ الأخذِ وتهويلِه واستحقارِ المأخوذينَ المنبوُذينَ ما لا يخفى كأنَّه تعالى أخذَهم مع كثرتِهم في كفَ وطرحَهم في البحرِ، ونظيُره قولُه تعالى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } [سورة الزمر: الآية 67] { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } وبـيَّنها للنَّاسِ ليعتبرُوا بها { وَجَعَلْنَـٰهُمْ } أي صيَّرناهم في عهدِهم { أَئِمَّةً يَدْعُونَ } النَّاسَ { إِلَى ٱلنَّارِ } إلى ما يُؤدِّي إليها من الكفرِ والمَعَاصي أي قدوةً يَقتِدي بهم أَهلُ الضَّلالِ لمَّا صرفُوا اختيارَهم إلى تحصيلِ تلك الحالةِ وقيل سمَّيناهم أئمةً دعاةً إلى النَّار كما في قولِه تعالى: { { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [سورة الزخرف: الآية 19] فالأنسبُ حينئذٍ أن يكونَ الجعلُ بعدهم فيما بـين الأممِ وتكونَ الدَّعوة إلى نفسِ النَّارِ وقيل: معنى الجعلِ منعُ الألطافِ الصَّارفةِ عن ذلك { وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ } بدفعِ العذابِ عنُهم بوجهٍ من الوجوهِ.