خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٤
مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٥
وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٦
-العنكبوت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا } أي يفوتُونا فلا نقدرَ على مجازاتِهم بمساوىء أعمالِهم وهو سادٌّ مسدَّ مفعولَيْ حسِب لاشتمالِه على مُسندٍ ومُسندٍ إليهِ. وأمْ منقطعةٌ وما فيها من مَعنى بل للإضرابِ والانتقالِ عن التَّوبـيخ بإنكارِ حُسبانِهم متروكينَ غبرَ مفتُونين إلى التَّوبـيخ بإنكارِ ما هو أبطلُ من الحُسبانِ الأل وهو حسبانُهم أنْ لا يجازُوا بسيئاتهم وهم وإنْ لم يحسبوا أنَّهم يفوتونَهُ تعالى ولم يحدِّثوا نفوسَهم بذلك كلنَّهم حيثُ أصرُّوا على المعاصي ولم يتفكَّروا في العاقبةِ نزلُوا منزلَه مَن طمِع في ذلك كما في قولِه تعالى: { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } [سورة الهمزة: الآية 3] { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } أي بئسَ الذي يحكمونَهُ حكمُهم ذلك أو بئس حُكماٍ يحكونَه حكمُهم ذلك.

{ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ٱللَّهِ } أي يتوقَّعُ مُلاقاةَ جزائِه ثواباً أو عِقاباً أو مُلاقاةُ حُكمِه يومَ القيامةِ وقيل: يرجُو لقاء الله عزَّ وجلَّ في الجنَّة وقيل: يرجُو ثوابَه وقيل: يخافُ عقابَه وقيل: لقاؤه تعالى عبارةٌ عن الوصول إلى العاقبةِ من تلقِّي مَلَكِ الموتِ والبعثِ والحسابِ والجزاءِ على تمثيلِ تلك الحالِ بحالِ عبدٍ قدِم على سيِّده بعد عهدٍ طويلٍ، وقد عَلِم مولاهُ بجميعِ ما كان يأتِي ويذرُ فإمَّا أنْ يلقاه ببشرٍ وكرامةٍ لمَا رضي من أفعالِه أو بضدِّه لما سخَطَه { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ } الأجل عبارةٌ عن غايةِ زمانٍ ممتدٍّ عينت لأمرٍ من الأمورِ وقد يُطلق على كلِّ ذلكَ الزَّمانَ والأولُ هو الأشهرُ في الاستعمالِ أي فإنَّ الوقتَ الذي عيَّنه تعالى لذلكَ { لأَتٍ } لا محالةَ من غيرِ صارفٍ يلويهِ ولا عاطفٍ يثنيه لأنَّ أجزاءَ الزَّمانِ على التقضِّي والتَّصرُّم دائماً فلا بدَّ من إتيان ذلك الجزاءِ أيضاً البتةَ، وإتيانُ وقتِه موجبٌ لإتيانِ اللِّقاءِ حتماً والجوابُ محذوفٌ أي فليخترْ من الأعمالِ ما يؤدي إلى حُسنِ الثَّوابِ وليحذرْ ما يسوقُه إلى سوءِ العذابِ كما في قوله تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا } [سورة الكهف: الآية 110] وفيه من الوعدِ والوعيدِ ما لا يَخْفى، وقيل: فليبادرْ ما يحقق أملَه ويصدِّق رجاءَهُ أو ما يُوجبُ القُربةَ والزُّلفى { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لأقوالِ العبادِ { ٱلْعَلِيمُ } بأحوالِهم من الأعمالِ الظَّاهرةِ والعقائدِ. { وَمَن جَاهَدَ } في طاعةِ الله عزَّ وجلَّ { فَإِنَّمَا يُجَـٰهِدُ لِنَفْسِهِ } لعود منفعتِها إليها { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فلا حاجةٍ له إلى طاعتِهم وإنَّما أمرهم بها تعريضاً لهم للثَّوابِ بموجب رحمتِه.