خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٥٢
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٣
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ
٥٤
-العنكبوت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } بمَا صدرَ عنِّي وعنكُم { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضِ } أي من الأُمورِ التي من جُمْلتِها شأنِي وشأنُكم فهو تقريرٌ لما قبلَه من كفايتِه تعالى شَهيداً { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ } وهو ما يُعبد من دُونِ الله تعالَى { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } مع تعاضُد موجباتِ الإيمانِ به { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } المغبُونون في صفقتِهم حيثُ اشترَوا الكفرَ بالإيمانِ بأنْ ضيَّعوا الفطرةَ الأصليَّةَ والأدلَّةَ السمعيَّةَ الموجبةَ للإيمانِ، والآيةُ من قبـيلِ المُجادلةِ بالتي هي أحسنُ حيثُ لم يُصرِّحْ بنسبةِ الإيمانِ بالباطلِ والكفرِ بالله والخسرانِ إليهم بل ذُكر على منهاجِ الإبهامِ كما في قولِه تعالى: { { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [سورة سبأ: الآية 24].
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } على طريقةِ الاستهزاءِ بقولِهم:
{ { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } [سورة يونس: الآية 48] وقولِهم: { { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ } [سورة الأنفال: الآية 32] ونحوِ ذلكَ { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } قد ضربَهُ الله تعالى لعذابِهم وبـيَّنه في اللَّوحِ { لَّجَاءهُمُ ٱلْعَذَابُ } المعيَّنُ لهم حسبَما استعجلُوا له. قيل: المرادُ بالأجلِ يومُ القيامةِ لما رُوي أنَّه تعالى وعدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ لا يُعذِّبَ قومَه بعذابِ الاستئصال وأنْ يؤخِّر عذابَهم إلى يومِ القيامةِ، وقيل: يومُ بدرٍ وقيل: وقتُ فنائِهم بآجالِهم وفيه بُعدٌ ظاهرٌ لِمَا أنَّهم ما كانُوا يُوعدون بفنائِهم الطبـيعيِّ ولا كانُوا يستعجلونَ به { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ } جملةٌ مستأنفةٌ مبنيَّنةٌ لما أُشير إليهِ في الجُملةِ السَّابقةِ من مجيءِ العذابِ عند محلِّ الأجلِ أي وبالله ليأتينَّهم العذابُ الذي عُيِّن لهم عند حُلولِ الأجلِ { بَغْتَةً } أي فجأةً { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي بإتيانِه، ولعلَّ المرادَ بإتيانِه كذلك أنَّه لا يؤتيهم بطريقِ التَّعجيلِ عند استعجالِهم والإجابةِ إلى مسؤولِهم فإنَّ ذلك إتيانٌ برأيهم وشعورِهم لا أنَّه يأتيهم وهم غارُّون آمِنُون لا يخطرونَه بالبالِ كدأبِ بعضِ العُقوباتِ النازلةِ على بعضِ الأممِ بـياتاً وهم نائمونَ أو ضُحى وهم يلعبُون لما أنَّ إتيانَ عذابِ الآخرةِ وعذابِ يومِ بدرٍ ليس من هذا القبـيلِ.

{ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ } استئنافٌ مسوقٌ لغايةِ تجهيلِهم ورَكَاكةِ رأيِهم، وفيه دلالةٌ على أنَّ ما استعجلوه عذابُ الآخرةِ أي يستعجلونك بالعذابِ والحال أنَّ محلَّ العذابِ الذي لا عذابَ فوقَه محيطٌ بهم كأنَّه قيل: يستعجلونك بالعذابِ وإنَّ العذابَ لمحيطٌ بهم، وإنَّما جيء بالجملةِ الاسميةِ دلالةً على تحقُّقِ الإحاطةِ واستمرارِها أو تنزيلاً لحالِ السَّببِ منزلةَ حالِ المسبَّبِ فإنَّ الكفرَ والمعاصيَ الموجبةَ لدخولِ جهنَّم محيطةٌ بهم، وقيل: إنَّ الكفرَ والمعاصيَ هي النَّار في الحقيقةِ لكنَّها ظهرتْ في هذهِ النَّشأةِ بهذه الصُّورةِ وقد مرَّ تفصيلُه في سورةِ الأعرافِ الآية 8 عند قولِه تعالى: { { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } ولامُ الكافرينَ إمَّا للعهدِ ووضعُ الظَّاهرِ موضعَ المضمرِ للإشعارِ بعلةِ الحُكمِ، أو للجنسِ وهم داخلون فيه دُخولاً أولياً.