خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٥٥
يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ
٥٦
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٥٧
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
٥٨
-العنكبوت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ } ظرفٌ لمضمرٍ قد طُوي ذكرُه إيذاناً بغايةِ كثرتِه وفظاعتِه كأنَّه قيلَ: يومَ يغشاهُم العذابُ الذي أشير إليه بإحاطةِ جهنَّم بهم يكونُ من الأحوالِ والأهوالِ ما لا يفي به المقالُ، وقيل: ظرفٌ للإحاطةِ { مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } أي من جميعِ جهاتِهم { وَيَقُولُ } أي الله عزَّ وجلَّ ويعضدُه القِراءةُ بنونِ العظمةِ، أو بعضُ ملائكتِه بأمرِه { ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي جزاءَ ما كنتُم تعملونه في الدُّنيا على الاستمرارِ من السيئاتِ التي من جُملتها الاستعجالُ بالعذابِ.

{ يَا عِبَادِى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } خطابُ تشريفٍ لبعضِ المؤمنينَ الذين لا يتمكَّنُون من إقامةِ أمورِ الدِّين كما ينبغِي لممانعةٍ من جهةِ الكَفَرةِ وإرشادٌ لهم إلى الطَّريقِ الأسلمِ { إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ } أي إذا لم يتسهَّل لكُم العبادةُ في بلدٍ ولم يتيسَّر لكُم إظهارُ دينِكم فهاجِرُوا إلى حيثُ يتسنَّى لكم ذلكَ، وعنه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "من فرَّ بدينِه من أرضٍ إلى أرضٍ ولو كان شبراً استوجبَ الجنَّة وكان رفيقَ إبراهيمَ ومحمَّدٍ عليهما السَّلامُ" . والفاءُ جوابُ شرطٍ محذوفٍ إذِ المعنى إنَّ أرضي واسعةٌ إنْ لم تُخلصوا العبادةَ لي في أرضٍ فأخلِصُوها في غيرِها ثم حُذفَ الشَّرطُ وعُوِّض عنه تقديمُ المفعولِ مع إفادةِ تقديمِه معنى الاختصاصِ والإخلاصِ.

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } جملةٌ مستأنفةٌ جِيءَ بها حثاً على المُسارعة في الامتثالِ بالأمرِ أي كلُّ نفسٍ من النُّفوسِ واجدةٌ مرارةَ الموتِ وكربَه فراجعةٌ إلى حُكمِنا وجَزَائِنا بحسبِ أعمالِها، فمَنْ كانت هَذه عاقبتَهُ فليس له بدٌّ من التَّزودِ والاستعدادِ لها. وقُرىء يَرجعون { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوّئَنَّهُمْ } لننزلنَّهم { مّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } أي عَلاليَ وهو مفعولٌ ثانٍ للتَّبوئةِ. وقُرىء لنُثوينَّهم من الثُّواء بمعنى الإقامةِ فانتصابُ غُرفاً حينئذٍ إمَّا بإجرائِه مُجرى لنُنزلنَّهم أو بنزعِ الخافضِ أو بتشبـيهِ الظَّرفِ الموَّقتِ بالمُبهم كما في قولِه تعالى: { { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [سورة الأعراف: الآية 16] { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } صفةٌ لغرفاً { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } أي في الغُرَفِ أو في الجنَّة { نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } أي الأعمالُ الصَّالحةُ والمخصوصُ بالمدحِ محذوفٌ ثقةً بدلالةِ ما قبله عليهِ. وقُرىء فنعَم.