خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
١٤٧
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ } كلامٌ مبـينٌ لمحاسنهم القوليةِ معطوفٌ على ما قبله من الجُمل المبـيِّنةِ لمحاسنهم الفعلية، و{ قَوْلُهُمْ } بالنصب خبرٌ لكان، واسمُها أن وما بعدها في قوله تعالى: { إِلاَّ أَن قَالُواْ } والاستثناءُ مفرَّغٌ من أعم الأشياء أي ما كان قولاً لهم عند لقاءِ العدوِ واقتحامِ مضايق الحربِ وإصابةِ ما أصابهم من فنون الشدائدِ والأهوال لشيءٍ من الأشياء إلا أن قالوا { ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي صغائرَنا { وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا } أي تجاوزْنا الحدَّ في ركوب الكبائرِ، أضافوا الذنوبَ والإسرافَ إلى أنفسهم مع كونهم ربانيـين بُرَآءَ من التفريط في جنب الله تعالى هضماً لهم واستصغاراً لهممهم وإسناداً لما أصابهم إلى أعمالهم وقدّموا الدعاءَ بمغفرتها على ما هو الأهمُّ بحسب الحال من الدعاء بقولهم { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا } أي في مواطن الحربِ بالتقوية والتأيـيدِ من عندك أو ثبتْنا على دينك الحقِّ { وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } تقريباً له إلى حيز القَبول، فإن الدعاءَ المقرونَ بالخضوع الصادرَ عن زكاء وطهارةٍ أقربُ إلى الاستجابة، والمعنى لم يزالوا مواضبـين على هذا الدعاءِ من غير أن يصدُرَ عنهم قولٌ يوهم شائبةَ الجزَعِ والخَوَرِ والتزلزُلِ في مواقف الحربِ ومراصدِ الدين. وفيه من التعريض بالمنهزمين ما لا يخفى. وقرأ ابنُ كثير وعاصمٌ في رواية عنهما برفع { قَوْلَهُمْ } على أنه الاسمُ والخبرُ أن وما في حيزها أي ما كان قولُهم حينئذ شيئاً من الأشياء إلا هذا القولَ المنبىءَ عن أحسن المحاسنِ، وهذا كما ترى أقعدُ بحسب المعنى وأوفق بمقتضى المقام لما أن الإخبارَ بكون قولِهم المطلقِ خصوصيةَ قولِهم المحكيِّ عنهم مفصلاً ــ كما تفيده قراءتهما ــ أكثرُ إفادةٍ للسامع من الإخبار بكون خصوصيةِ قولِهم المذكورِ قولَهم، لما أن مصبَّ الفائدةِ وموقِعَ البـيانِ في الجمل الخبرية هو الخبرُ، فالأحقُّ بالخبرية ما هو أكثرُ إفادةً وأظهرُ دِلالةً على الحدث وأوفرُ اشتمالاً على نِسَب خاصةٍ بعيدةٍ من الوقوع في الخارج وفي ذهن السامعِ. ولا يخفى أن ذلك هٰهنا في أنْ مع ما في حيُّزها أتمَّ وأكملَ، وأما ما تفيده الإضافةُ من النسبة المطلقةِ الإجماليةِ فحيث كانت سهلةَ الحصولِ خارجاً وذِهناً كان حقُّها أن تلاحَظَ ملاحظةً إجماليةً وتُجعلَ عنواناً للموضوع، لا مقصوداً بالذات في باب البـيانِ وإنما اختار الجمهورُ ما اختاره لقاعدة صناعيةٍ هي أنه إذا اجتمع معرفتان فالأعرفُ منهما أحقُّ بالاسمية، ولا ريب في أعرفية { أَن قَالُواْ } [آل عمران، الآية: 147] لدلالته على جهة النسبةِ وزمانِ الحدثِ ولأنه يشبه المضمرَ من حيث أنه لا يوصف ولا يوصف به، وقولَهم مضافٌ إلى مضمر فهو بمنزلة العَلَم فتأمل.