خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ
٣٠
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣١
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } أي من النفوس المكلفة { مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا } عندها بأمر الله تعالى وفيه من التهويل ما ليس في حاضراً { وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء } عطف على { مَّا عَمِلَتْ } والإحضار معتبرٌ فيه أيضاً إلا أنه خُص بالذكر في الخير للإشعار بكون الخير مراداً بالذات وكونِ إحضارِ الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية { تَوَدُّ } عامل في الظرف والمعنى تود وتتمنى يوم تجد صحائفَ أعمالها من الخير والشر أن أجزِيتَها محْضَرة { لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ } أي بـين ذلك اليوم { أَمَدَا بَعِيدًا } لشدة هوله وفي إسناد الود إلى كل نفس سواءٌ كان لها عملٌ سيء أو لا بل كانت متمحِّضةً في الخير من الدلالة على كمال فظاعةِ ذلك اليوم وهول مطلعِه ما لا يخفى، اللهم إنا نعوذ بك من ذلك ويجوز أن يكون انتصابُ يومَ على المفعولية بإضمار اذكروا وتودّ إما حال من كل نفس أو استئنافٌ مبني على السؤال أي اذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير وشر محضراً وادّةً أن بـينها وبـينه أمداً بعيداً أو كأن سائلاً قال حين أمروا بذكر ذلك اليوم: فماذا يكون إذ ذاك؟ قيل: تود لو أن بـينها الخ أو { تَجِدُ } مقصورٌ على ما عملت من خير، وتود خبرُ ما عملت من سوء ولا تكون ما شرطية لارتفاع تود وقرىء ودّت فحينئذ يجوز كونُها شرطيةً لكن الحمل على الخبر أوقعُ معنىً لأنها حكايةُ حالً ماضية وأوفقُ للقراءة المشهورة { وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } تكرير لما سبق وإعادة له لكن لا للتأكيد فقط بل لإفادة ما يفيده قوله عز وجل: { وَٱللَّهُ رَءوفٌ بِٱلْعِبَادِ } من أن تحذيرَه تعالى من رأفته بهم ورحمتِه الواسعةِ أو أن رأفته بهم لا تمنعُ تحقيقَ ما حذّرهُموه من عقابه وأن تحذيرَه ليس مبنياً على تناسي صفةِ الرأفة بل هو متحققٌ مع تحققها أيضاً كما في قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ } [الانفطار، الآية 6] فالجملة على الأول اعتراضٌ، وعلى الثاني حال وتكرير الاسم الجليل لتربـية المهابة { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى } المحبة ميلُ النفس إلى الشيء لكمالٍ أدركتْه فيه بحيث يحمِلها على ما يقرّبها إليه، والعبدُ إذا علم أن الكمالَ الحقيقيَّ ليس إلا الله عز وجل وأن كلَّ ما يراه كمالاً من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله - لم يكن حبُّه إلا لله وفي الله، وذلك مقتضى إرادةِ طاعته والرغبةِ فيما يقرّبه إليه، فلذلك فُسِّرت المحبةُ بإرادة الطاعة وجُعلت مستلزِمةً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادته والحرصِ على مطاوعته { يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } أي يرضَ عنكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي يكشفِ الحجبَ عن قلوبكم بالتجاوز عما فرَطَ منكم فيقرّبكم من جناب عزِّه ويبوِّئُكم في جوار قدْسِه، عبّر عنه بالمحبة بطريق الاستعارة أو المشاكلة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لمن يتحبّب إليه بطاعته ويتقرّب إليه باتباع نبـيِّه عليه الصلاة والسلام فهو تذيـيلٌ مقررٌ لما قبله مع زيادة وعد الرحمةِ، ووضعُ الاسمِ الجليل موضع الضمير للإشعار باستتباع وصفِ الألوهية للمغفرة والرحمة، روي أنها نزلت لما قالت اليهودُ: نحن أبناءُ الله وأحباؤه، وقيل: نزلت في وفد نجرانَ لما قالوا: إنا نعبدُ المسيحَ حباً لله تعالى، وقيل: في أقوام زعَموا على عهده عليه الصلاة والسلام أنهم يُحبون الله تعالى فأُمروا أن يجعلوا لقولهم مِصداقاً من العمل. وروىٰ الضحاكُ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما "أن النبـيَّ صلى الله عليه وسلم وقف على قريش وهم في المسجد الحرام يسجُدون للأصنام وقد علّقوا عليهم بَـيْض النعام وجعلوا في آذانها الشُّنوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشرَ قريشٍ لقد خالفتم ملةَ إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما الصلاة والسلام فقالت قريشٌ: إنما نعبدها حباً لله تعالى ليقرِّبونا إلى الله زُلفى فقال الله تعالى لنبـيه عليه الصلاة والسلام: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ تَعَالَى وتعبُدُونَ الأصْنَامَ لِتُقَرِّبكم إليهِ فاتَّبِعونِى أى اتَّبعوا شَرِيعَتِى وسُنَّتِى يُحْبِبْكُمْ الله فَأنا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ وحُجَّتُه عَلَيْكُمْ" «.