خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٦٢
فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ
٦٣
قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
٦٤
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ هَذَا } أي ما قُصّ من نبأ عيسى وأمِّه عليهما السلام { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } دون ما عداه من أكاذيبِ النصارى، فهو ضميرُ الفصلِ دخلتْه اللامُ لكونه أقربَ إلى المبتدإ من الخبر، وأصلها أن تدخُلَ المبتدأَ، وقرىء لهْوَ بسكون الهاء، والقصصُ خبرُ إن والحقُّ صفتُه، أو مبتدأٌ والقصصُ خبرُه والجملةُ خبرٌ لإن { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } صرّح فيه بمن الاستغراقية تأكيداً للرد على النصارى في تثليثهم { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } القادرُ على جميع المقدوراتِ { ٱلْحَكِيمُ } المحيطُ بالمعلومات لا أحدَ يشاركُه في القدرة والحِكمة ليشاركَه في الألوهية { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن التوحيد وقَبولِ الحقِّ الذي قصَصْنا عليك بعد ما عاينوا تلك الحُججَ النَّيرة والبراهينَ الساطعة { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } أي بهم، وإنما وُضِعَ موضعَه ما وُضِع للإيذان بأن الإعراضَ عن التوحيد والحقِّ الذي لا محيدَ عنه بعد ما قامت به الحججُ إفسادٌ للعالم وفيه من شدة الوعيدِ ما لا يخفىٰ { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } أمرٌ بخطاب أهلِ الكتابـين وقيل: بخطاب وفدِ نجْرانَ وقيل: بخطاب يهودِ المدينةِ { تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } لا يختلف فيها الرسلُ والكتبُ وهي { أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي نوحِّدُه بالعبادة ونُخلِصُ فيها { وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } ولا نجعلَ غيرَه شريكاً له في استحقاق العبادةِ ولا نراه أهلاً لأن يُعبد { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ } بأن نقولَ عزيرٌ ابنُ الله والمسيحُ ابنُ الله ولا نُطيعَ الأحبارَ فيما أحدثوا من التحريم والتحليل لأن كلاً منهم بعضُنا بشرٌ مثلُنا، "روي أنه لما نزلت { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ ٱللَّهِ } [التوبة، الآية 31] قال عديُّ بنُ حاتم: ما كنا نعبُدهم يا رسولَ الله، فقال عليه السلام: أليس كانوا يُحِلّون لكم ويحرِّمون فتأخذون بقولهم قال: نعم، قال عليه السلام: هو ذاك" { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عما دعوتَهم إليه من التوحيد وتركِ الإشراك { فَقُولُواْ } أي قل لهم أنت والمؤمنون: { ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي لزِمْتكم الحُجةُ فاعترِفوا بأنا مسلمون دونكم أو اعترِفوا بأنكم كافرون بما نطَقَتْ به الكتُب وتطابقت عليه الرسلُ عليهم السلام.

- تنبـيه - انظُر إلى ما روعيَ في هذه القصة من المبالغة في الإرشاد وحسنِ التدرُّجِ في المُحاجَّة حيث بـيّن أولاً أحوالَ عيسى عليه السلام وما توارد عليه من الأطوار المنافيةِ للإلٰهية ثم ذُكر كيفيةُ دعوتِه للناس إلى التوحيد والإسلامِ فلما ظهر عندهم دُعُوْا إلى المباهلة بنوع من الإعجاز ثم لما أعرَضوا عنها وانقادوا بعضَ الانقياد دُعوا إلى ما اتفق عليه عيسى عليه السلام والإنجيلُ وسائرُ الأنبـياء عليهم السلام والكتُب، ثم لما ظهر عدمُ إجدائِه أيضاً أُمِرَ بأن يقال لهم: اشهدوا بأنا مسلمون.