{ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ } وقُرىء بالتَّاءِ أي ومن يدُم على الطَّاعةِ { للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَـٰلِحاً نُؤْتِهَـا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } مرةً على الطَّاعةِ والتَّقوى وأُخرى على طلبهن رضَا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالقناعةِ وحُسنِ المعاشرةِ. وقُرىء يَعملْ بالياءِ حملاً على لفظِ مَنْ ويُؤتها على أنَّ فيه ضميرَ اسمِ الله تعالى { وَأَعْتَدْنَا لَهَا } في الجنَّةِ زيادةً على أجرِها المضاعفِ { رِزْقاً كَرِيماً } مرضيًّا.
{ يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء } أصلُ أحدٍ وَحَد بمعنى الواحدِ ثم وُضع في النَّفيِ مستوياً فيه المذكَّرُ والمؤنَّثُ والواحدُ والكثيرُ. والمعنى لستنَّ كجماعةٍ واحدةٍ من جماعاتِ النِّساءِ في الفضلِ والشَّرفِ { إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } مخالفةَ حكمِ الله تعالى ورضا رسولِه أو إنِ اتصفتنَّ بالتَّقوى كما هُو اللائقُ بحالِكنَّ { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } عند مخاطبةِ النَّاسِ أي لا تُجبْن بقولِكن خاضعاً ليِّناً على سَننِ قولِ المريبات والمُومساتِ { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي فجورٌ ورِيبةٌ. وقُرىء بالجزمِ عطفاً على محلِّ فعل النَّهي على أنَّه نهيٌ لمريضِ القلبِ عن الطمعِ عقيب نهيهنَّ عن الإطماعِ بالقولِ الخاضعِ كأنَّه قيل: فلا تخضعْنَ بالقولِ فلا يطمعَ مريضُ القلبِ { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } بعيداً عن الرِّيبةِ والإطماعِ بجدَ وخشُونةٍ من غيرِ تخنيثٍ أو قولاً حسناً مع كونِه خَشِناً { وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ } أمرٌ من قرَّ يقَرُّ من بابِ علَم وأصله اقرَرْنَ فحُذفتْ الرَّاءُ الأولى وألقيتْ فتحتُها على ما قبلَها كما في قولُك: ظلْن، أو من قارَّ يقارُّ إذا اجتمعَ، وقُرىء بكسرِ القافِ من وَقِر يَقِر وَقَاراً إذا ثبتَ واستقرَّ وأصلُه أوقرنَ ففعل به ما فُعل بعِدن من وَعد أو من قرَّ يقرُّ حذفت إحدى راءي اقررن ونُقلت كسرتُها إلى القافِ كما تقول: ظلن { وَلاَ تَبَرَّجْنَ } أي لا تتبخترْن في مشيكنَّ { تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } أي تبرجاً مثلَ تبرجِ النساءِ في الجاهليةِ القديمةِ وهي ما بـينَ آدمَ ونوحٍ وقيل: إدريس ونوحٍ عليهما السَّلامُ وقيل: الزَّمانُ الذي وُلد فيه إبراهيمُ عليه السَّلامُ كانتِ المرأةُ تلبسُ دِرْعاً من اللُّؤلؤِ فتمشِي وسطَ الطَّريقِ تعرض نفسَها على الرِّجالِ وقيل: زمنُ داودَ وسليمانَ عليهما السَّلامُ. والجاهليَّةُ الأُخرَى ما بـينَ عيسَى ومحمَّدٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ وقيل: الجاهليةُ الأولى الكفرُ والجاهليَّةُ الأُخرى الفسوقُ في الإسلامِ ويُؤيِّدُه قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لأبـي الدَّرداءِ:
"إنَّ فيكَ جاهليةَ قال: جاهلية كفرٍ أو جاهليةَ إسلامٍ قال: بل جاهليةُ كفرٍ" { وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ } أُمرن بهما لإنافتِهما على غيرِهما وكونِهما أصلَ الطَّاعاتِ البدنيةِ والماليةِ { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي في كلِّ ما تأتن وما تذرنَّ لا سيَّما فيما أُمرتن به ونُهيتنَّ عنه { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرّجْسَ } أي الذَّنبَ المدنس لعرضِكم وهو تعليلٌ لأمرهنَّ ونهيهنَّ على الاستئنافِ ولذلك عمَّم الحكمَ بتعميمِ الخطابِ لغيرهنَّ وصرَّحَ بالمقصودِ حيثُ قيل بطريقِ النِّداءِ أو المدحِ: { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } مُراداً بهم من حَواهم بـيتُ النُّبوة { وَيُطَهّرَكُمْ } من أوضارِ الأوزارِ والمَعاصي { تَطْهِيــراً } بليغاً. واستعارةُ الرِّجسِ للمعصيةِ، والتَّرشيحُ بالتَّطهيرِ لمزيدِ التَّنفيرِ عنها، وهذهِ كما ترى آيةٌ بـينةٌ وحجَّةٌ نيرةٌ على كونِ نساءِ النبـيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ من أهلِ بـيتِه قاضيةً ببُطلان رأيِ الشِّيعةِ في تخصيصِهم أهليةَ البـيتِ بفاطمةَ وعليَ وابنيهما رضوانُ الله عليهم. وأمَّا ما تمسَّكُوا به من " أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ ذاتَ غُدوةٍ وعليه مِرطٌ مرحَّلٌ من شَعَرٍ أسودَ، وجلسَ فأتتْ فاطمةُ فأدخلَها فيهِ ثم جاءَ عليٌّ فأدخلَه فيه، ثم جاء الحسنُ والحسينُ فأدخلَهما فيهِ ثمَّ قال: إنَّما يُريد الله ليُذهبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البـيتِ" فإنَّما يدلُّ على كونِهم من أهلِ البـيتِ لا على أنَّ من عداهم ليسُوا كذلك ولو فُرضت دلالتُه على ذلك لما اعتدَّ بها لكونِها في مُقابلةِ النَّصِّ.