خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٥٣
فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٥٤
إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ
٥٥
-يس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِن كَانَتْ } أي ما كانَتْ النَّفخةُ التي حكيتُ آنفاً { إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } حصلتْ من نفخ إسرافيلَ عليه السَّلامُ في الصُّور { فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ } أي مجموعٌ { لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } من غيرِ لبثٍ ما طرفهَ عينٍ وفيه من تهوينِ أمرِ البعثِ والحشرِ والإيذانِ باستغنائِهما عن الأسبابِ ما لا يَخْفى.

{ فَٱلْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ } من النُّفوسِ برةً كانتْ أو فاجرةً { شَيْئاً } من الظُّلم { وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي الإجزاءُ ما كنتُم تعملونَه في الدُّنيا على الاستمرار من الفكرِ والمعاصي على حذفِ المضافِ وإقامةِ المضافِ إليه مقامَه للتَّنبـيه على قُوَّةِ التَّلازمِ والارتباطِ كأنَّهما شيءٌ واحدٌ أو إلاَّ بما كنتُم تعملونَه أي بمقابلتِه أو بسببهِ. وتعميمُ الخطابِ للمؤمنين يردُّه أنَّه تعالى يُوفِّيهم أجورهم ويزيدَهم من فضلِه أضعافاً مضاعفةً وهذه حكايةٌ لما سيُقال لهم حين يرَون العذابَ المعدَّ لهم تحقيقاً للحقِّ وتقريعاً لهم. وقوله تعالى { إِنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِى شُغُلٍ فَـٰكِهُونَ } من جُملة ما سيُقال لهم يؤمئذٍ زيادةً لحسرتِهم وندامتِهم فإنَّ الأخبارَ بحسن حالِ أعدائِهم إثرَ بـيان سُوء حالِهم مَّما يزيدُهم مساءةً على مساءةٍ. وفي هذه الحكايةِ مزجرةٍ لهؤلاءِ الكَفرةِ عمَّا هم عليه ومدعاةٌ إلى الاقتداء بسيرةِ المُؤمنين. والشُّغُل هو الشَّأنُ الذي يصدُّ المرءَ ويشغلُه عمَّا سواهُ من شؤونه لكونِه أهمَّ عنده من الكُلِّ إمَّا لإيجابهِ كمالَ المسرَّةِ والبهجةِ أو كمالِ المساءةِ والغمِّ. والمرادُ ههنا هو الأولُ وما فيه من التَّنكيره والإبهامِ للإيذان بارتفاعِه عن رتبةِ البـيانِ والمراد به ما هم فيه من فنون الملاذّ التي تلهيهم عمَّا عداهَا بالكلية، وإمَّا أنَّ المرادَ به افتضاضُ الأبكارِ أو السَّماءُ وضربُ الأوتار أو التّزاور أو ضيافةُ الله تعالى أو شغلُهم عمَّا فيه أهلُ النَّارِ على الإطلاقِ أو شغلُهم عن أهاليهم في النَّارِ لا يهمهم أمرُهم ولا يُبالون بهم كيلا يُدخلَ عليهم تنغيصٌ في نعيمهم كما رَوى كلُّ واحدٍ منها عن واحدٍ من أكابرِ السَّلفِ فليس مرادُهم بذلك حصرَ شغلِهم فيما ذُكرُوه فقطُ بل بـيانَ أنَّه من جُملةِ اشتغالِهم. وتخصيصُ كلَ منهم كلاًّ من تلكَ الأمورِ بالذكرِ محمولٌ على إقضاءِ مقامِ البـيانِ إياَّه وهو مع جارِه خبرٌ لأنَّ وفاكهون خبر آخرُ لها أي أنهم مستقرُّون في شغل وأي شغلٍ في شغل عظيمِ الشَّأنِ متنعمون بنعيمٍ مقيم فائزون بملك كبـيرٍ. والتَّعبـيرُ عن حالِهم هذه بالجملةِ الاسميةِ قبل تحقُّقها بتنزيل المرتقب المتوقَّعِ منزلة الواقع للإيذان بغايةِ سرعةِ تحقُّقها ووقوعِها ولزيادةِ مساءة المخاطَبـين بذلك قرىء في شُغْل بسكون العينِ وفي شَغَل بفتحتين وبفتحةٍ وسكون والكلُّ لغاتٌ وقُرىء فكهون للمبالغةِ وفَكُهون بضمِّ الكاف وهي لغةٌ كنطُس وفاكهينَ وفكهِين على الحالِ من المستكنِّ في الظَّرف.