خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٦٠
وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ
٦١
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ
٦٢
-يس

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِى آدَم أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ } من جُملة ما يُقال لهم بطريق التَّقريعِ والإلزام والتَّبكيتِ بـين الأمر بالامتياز وبـين الأمر بدخول جهنَّمَ بقوله تعالى: { { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ } [سورة يس: الآية 64] الخ والعهد هو الوصَّيةُ والتَّقدُّمُ بأمر فيه خير ومنفعة والمراد ههنا ما كلَّفهم الله تعالى على ألسنةِ الرُّسلِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ من الأوامرِ والنَّواهي التي من جُملتِها قوله تعالى: { { يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ } [سورة الأعراف: الآية 27] الآيةَ وقوله تعالى: { { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [سورة البقرة: الآية 168 و 208. وسورة الأنعام: الآية 142] وغيرهما من الآياتِ الكريمةِ الواردة في هَذا المعنى، وقيل: هو الميثافُ المأخوذُ عليهم حين أُخرجوا من ظهور بني آدمَ وأُشهدوا على أنفسهم وقيل: هو ما نُصب لهم من الحُجج العقليَّةِ والسمعيَّةِ الآمرةِ بعبادته تعالى الزَّاجرةِ عن عبادة غيرِه. والمرادُ بعبادة الشَّيطانِ طاعتُه فيما يُوسوس به إليهم ويزيِّنه لهم، عبرَّ عنها بالعبادة لزيادة التَّحذيرِ والتَّنفيرِ عنها ولوقوعها في مقابلة عبادته عزَّ وجلَّ. وقُرىء إِعهد بكسرِ الهمزة، وأعهِد بكسر الهاء، وأحهد بالحاءِ مكان العين، وأحد بالإدغامِ وهي لغةُ بني تميمٍ { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي ظاهرُ العداوةِ وهو تعليل لوجوب الانتهاء عن المنهيِّ عنه وقيل تعليل للنَّهيِ.

{ وَأَنِ ٱعْبُدُونِى } عطف على أنْ لا تعبدُوا على أنَّ أنْ فيهما مفسِّرةٌ للعهد الذي فيه معنى القول بالنهي والأمر، أو مصدرَّيةٌ حُذف عنها الجارُّ أي ألم أعهد إليكم في ترك عبادةِ الشَّيطانِ وفي عبادتي. وتقديم النَّهي على الأمر لما أنَّ حقَّ التَّخليةِ كما في كلمة التَّوحيدِ وليتصل به قوله تعالى { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } فإنَّه إشارة إلى عبادته تعالى التي هي عبارةٌ عن التَّوحيدِ والإسلام، وهو المشار إليه بقوله تعالى: { هَذَا صِرٰطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } [سورة الحجر: الآية 41] والمقصود بقوله تعالى: { { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [سورة الأعراف: الآية 16] والتَّنكيرُ للتَّفخيمِ، واللام في قوله تعالى { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } جواب قسم محذوف والجملة استئناف مَسوق لتشديد التَّوبـيخِ وتأكيد التَّقريعِ ببـيان أن جناياتِهم ليستْ بنقض العهدِ فقط بل به وبعدم الاتِّعاظِ بما شاهدوا من العقوبات النَّازلةِ على الأُمم الخاليةِ بسبب طاعتهم للشَّيطانِ، فالخطابُ لمتأخِّريهم الذين من جُملتهم كُفَّارُ مكَّةَ خُصُّواً بزيادة التَّوبـيخِ والتَّقريعِ لتضاعف جناياتهمِ والجِبِلُّ بكسرِ الجيم والباءِ وتشديدِ اللاَّم الخَلْقُ. وقُرىء بضمَّتينِ وتشديدٍ، وبضمَّتينِ وتخفيفٍ، وبضمَّةٍ وسكونٍ، وبكسرتينِ وتخفيفٍ، وبكسرةٍ وسكونٍ. والكلُّ لغاتٌ. وقُرىء جِبَلاً جمعُ جِبْلةٍ كفِطَرٍ وخِلَقٍ في جمعِ فِطْرةٍ وخِلْقةٍ. وقُرىء جِيْلاً بالياء وهو الصِّنفُ من النَّاسِ أي وبالله لقد أضلَّ منكم خَلْقاً كثيراً أو صِنفاً كثيراً عن ذلك الصِّراطِ المستقيم الذي أمرتُكم بالثَّباتِ عليه فأصابهم لأجلِ ذلك ما أصابَهم من العُقوبات الهائلةِ التي ملأ الآفاقَ أخبارُها وبقي مدى الدَّهرِ آثارُها. والفاءُ في قوله تعالى: { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أكنتُم تشاهدونَ آثارَ عقوباتِهم فلم تكونوا تعقلون أنَّها لضُلاَّلهِم أو فلم تكونُوا تعقلون شيئاً أصلاً حتَّى ترتدعُوا عمَّا كانُوا عليه كيلا يحيقَ بكم العقابُ.