خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ
٩١
مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ
٩٢
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ
٩٣
فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ
٩٤
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
٩٥
وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ
٩٦
-الصافات

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَرَاغَ إِلَىٰ ءالِهَتِهِمْ } أي ذهب إليها في خُفْيةٍ وأصله الميلُ بحيلةٍ { فَقَالَ } للأصنام استهزاءً { أَلا تَأْكُلُونَ } أي من الطَّعامِ الذي كانوا يصنعونَه عندها لتبرِّكَ عليه { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } أي بجوابـي { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ } فمالَ مستعلياً عليهم وقوله تعالى: { ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } مصدر مؤكِّدٌ لراغَ عليهم فإنَّه بمعنى ضربَهم، أو لفعلٍ مضمرٍ هو حال من فاعله، أي فراغ عليهم يضربُهم ضرباً، أو هو الحالُ منه على أنَّه مصدرٌ بمعنى الفاعلِ أي فراغَ عليهم ضارباً باليمين أي ضرباً شديداً قويًّا وذلك لأنَّ اليمينَ أقوى الجارحتينِ وأشدُّهما، وقوَّةُ الآلةِ تقتضي قُوَّة الفعلِ وشدَّته، وقيل بالقُوَّةِ والمتانةِ كما في قوله: [الوافر]

إذَا مَا رايةٌ رُفعتْ لمجدتَلقَّاها عُرابةُ باليمينِ

أي بالقُوَّة وعلى ذلك مدارُ تسميةِ الحلفِ باليمينِ لأنَّه يُقوِّي الكلامَ ويؤكِّدُه وقيل بسبب الحلفِ وهو قولُه تعالى: { { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } }.

[سورة الأنبياء: الآية 57] { فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ } أي المأمورون بإحضاره عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعدما رجعوا من عيدهم إلى بـيت الأصنام فوجدُوها مكسورةً فسألوا عن الفاعلِ فظنُّوا أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فعلَه فقيل فأتُوا به { يَزِفُّونَ } حالٌ من واوِ أقبلُوا أي يُسرعون من زَفيفِ النَّعامِ. وقُرىء يَزِفُون من أزفَ إذا دخلَ في الزَّفيف. أو من أزفّه أي حملَه على الزَّفيفِ أي يزف بعضُهم بعضاً ويُزَفُّون على البناء للمفعولِ أي يُحملون على الزَّفيف ويَزِفون من وزَف يزِف إذا أسرع ويُزَفُّون من زفّاه إذا حداه كأنَّ بعضَهم يزفُو بعضاً لتسارُعهم إليه عليه الصلاة والسلام { قَالَ } أي بعدما أتَوا به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وجرى بـينه صلى الله عليه وسلم وبـينهم من المحاوراتِ ما نطقَ به قوله تعالى: { { قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِـئَالِهَتِنَا يإِبْرٰهِيمُ } [سورة الأنبياء: الآية 62] إلى قوله تعالى: { { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـؤُلاء يَنطِقُونَ } [سورة الأنبياء: الآية 65] { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } ما تنحتونَه من الأصنام وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } حالٌ من فاعل تعبدون مؤكِّدةٌ للإنكار والتَّوبـيخِ أي والحالُ أنَّه تعالى خلقكم وخلقَ ما تعملونَهُ فإنَّ جواهرَ أصنامِهم ومادتها بخلقه تعالى وشكلها وإن كان بفعلهم لكنَّه بإقداره تعالى إيَّاهم عليه وخلقه ما يتوقَّفُ عليه فعلُهم من الدَّواعي والعدد والأسباب، وما تعملون إمَّا عبارةٌ عن الأصنامِ فوضعه موضعَ ضميرِ ما تنحِتون للإيذان بأنَّ مخلوقيَّتها لله عزَّ وجلَّ ليس من حيثُ نحتُهم لها فقط بل من حَيثُ سائرُ أعمالهم أيضاً من التَّصويرِ والتَّحليةِ والتَّزيـينِ ونحوها، وإمَّا على عمومهِ فينتظمُ الأصنامَ انتظاماً أوليًّا مع ما فيه من تحقيقِ الحقِّ ببـيانِ أنَّ جميع ما يعملونَهُ كائناً ما كان مخلوقٌ له سبحانه. وقيل ما مصدريةٌ أي عملَكم على أنَّه بمعنى المفعولِ وقيل بمعناه فإنَّ فعلَهم إذا كان بخلقِ اللَّهِ تعالى كان مفعولهم المتوقِّفُ على فعلهم أولى بذلك.