خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ
٨
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ
٩
أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ
١٠
جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ
١١

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ } أي القرآن { مّن بَيْنِنَا } ونحن رؤساءُ النَّاسِ وأشرافُهم كقولهم: { { لولا نزِّل هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتينِ عظيمٍ } [سورة الزخرف: الآية 31] ومرادهم إنكارُ كونه ذكراً منزَّلاً من عند الله عزَّ وجلَّ كقولهم: { { لو كان خيراً ما سبقُونا إليه } [سورة الأحقاف: الآية 11] وأمثالُ هذه المقالاتِ الباطلة ودليلٌ على أنَّ مناطَ تكذيبهم ليس إلاَّ الحسدُ وقِصرُ النَّظرِ على الحُطام الدنيويِّ { بْل هُمْ فَى شَكّ مّن ذِكْرِي } أي من القرآنِ أو الوحي لميلهم إلى التَّقليدِ وإعراضِهم عن النَّظرِ في الأدِلَّةِ المؤدِّية إلى العلمِ بحقِّيتِه وليس في عقيدتِهم ما يبتُّون به فهم مذبذبون بـين الأوهامِ ينسبونه تارةً إلى السِّحرِ وأخرى إلى الاختلاقِ { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } أي بل لم يذوقُوا بعد عذابـي فإذا ذاقُوه تبـيَّن لهم حقيقةُ الحال، وفي لمَّا دلالةٌ على أنَّ ذوقَهم على شرف الوقوع والمعنى أنهم لا يصدّقون به حتى يمسَّهم العذاب وقيل لم يذوقوا عذابَى الموعودَ في القرآنِ ولذلك شكُّواً فيه { أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } بل أعندهم خزائنُ رحمتِه تعالى يتصرَّفون فيها حسبما يشاءون حتَّى يُصيبوا بها من شاءوا ويُصرفُوها عمَّن شاءوا ويتحكَّموا فيها بمقتضي آرائِهم فيتخيَّروا للنُّبوةِ بعضَ صناديدهم. والمعنى أنَّ النُّبوةَ عطيةٌ من الله عزَّ وجلَّ يتفضَّلُ بها على مَن يشاءُ من عباده المصطَفينَ لا مانع له فإنَّه العزيزُ أي الغالبُ الذي لا يُغالب الوهَّابُ الذي له أنْ يهبَ كلَّ ما يشاءُ لكلِّ مَن يشاءُ. وفي إضافةِ اسم الربِّ المنبىء عن التَّربـيةِ والتَّبليغِ إلى الكمال إلى ضميرِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من تشريفه واللُّطفِ به ما لا يَخْفى، وقولُه تعالى: { أَمْ لَهُم مٌّلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } ترشيحٌ لما سبق أي بل ألهُم ملكُ هذه العوالمِ العُلويةِ والسُّفليةِ حتَّى يتكلَّموا في الأمورِ الرَّبانيةِ ويتحكَّموا في التَّدابـيرِ الإلهيةِ التي يستأثرُ بها ربُّ العزَّةِ والكبرياءِ. وقولُه تعالى:

{ فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابُ } جوابُ شرطٍ محذوفٍ أي إنْ كان لهم ما ذُكر من الملك فليصعدُوا في المعارجِ والمناهج التي يتوصَّلُ بها إلى العرشِ حتَّى يستووا عليه ويدبِّروا أمر العالم ويُنزلوا الوحَي إلى مَن يختارون ويستصوبوُن وفيه من التَّهكُّمِ بهم ما لا غايةَ وراءه. والسَّببُ في الأصل هو الوصلةُ وقيل: المرادُ بالأسبابِ السَّمواتُ لأنَّها أسبابُ الحوادثِ السُّفليةِ وقيل أبوابُها. { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مّن ٱلأَحَزَابِ } أي هم جندٌ ما من الكُفَّارِ المتحزِّبـين على الرُّسلِ مهزومٌ مكسورٌ عمَّا قريب فلا تُبالِ بما يقولون ولا تكترثْ بما يهذُون. ومَا مزيدةٌ للتَّقليلِ والتَّحقيرِة نحو قولِك أكلتُ شيئاً ما، وقيل: للتَّعظيمِ على الهُزءِ. وهنالك إشارةٌ إلى حيثُ وضعُوا فيه أنفسَهم من الانتدابِ لمثل ذلك القولِ العظيمِ.