خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
١٠
قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
١١
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٢
-الزمر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } أُمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بتذكير المُؤمنين وحملِهم على التَّقوى والطَّاعة إثرَ تخصيص التَّذكُّر بأولي الألباب إيذاناً بأنَّهم هم كما سيصرِّح به أي قُل لهم قولي هذا بعينه وفيه تشريفٌ لهم بإضافتهم إلي ضمير الجلالةِ ومزيدُ اعتناءٍ بشأن المأمور به فإنَّ نقلَ عينِ أمرِ الله أدخلُ في إيجابِ الإمتثالِ به. وقولُه تعالى: { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } تعليلٌ للأمر أو لوجوبِ الامتثال به وإيراد الإحسان في حيِّز الصِّلةِ التَّقوى للإيذانِ بأنَّه من باب الإحسان وأنَّهما مُتلازمانِ وكذا الصَّبرُ كما مرَّ في قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [سورة النحل: الآية 128] وفي قوله تعالى: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [سورة يوسف: الآية 90] وقوله تعالى { فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } متعلِّقٌ بأحسنُوا أي عملوا الأعمالَ الحسنةَ في هذه الدُّنيا على وجه الإخلاصِ وهو الذي عبّر عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ سُئل عن الإحسانِ بقوله عليه السَّلامُ: "أنْ تعبدَ الله كأنَّك تراهُ فإنْ لم تكن تراهُ فإنَّه يراكَ" { حَسَنَةٌ } أي حسنة عظيمةٌ لا يُكْتَنَه كُنْهُها وهي الجنَّةُ. وقيل: هو متعلِّقٌ بحسنة على أنَّه بـيان لمكانها أو حالٌ من ضميرها في الظَّرفِ فالمرادُ بها حينئذٍ الصِّحَّةُ والعافيةُ { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } فمن تعسَّر عليه التَّوفرُ على التَّقوى والإحسانِ في وطنِه فليهاجر إلى حيثُ يتمكَّن فيه من ذلك كما هو سُنَّة الأنبـياءِ والصَّالحينَ فإنه لا عُذرَ له في التَّفريطِ أصلاً وقوله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ } الخ ترغيب في التَّقوى المأمور بها، وإيثارُ الصَّابرين على المتَّقين للإيذانِ بأنَّهم حائزونَ لفضيلة الصَّبر كحيازتهم لفضيلةِ الإحسانِ لما أشير إليه من استلزام التَّقوى لهما مع ما فيه من زيادةِ حثَ على المصابرةِ والمجاهدةِ في تحمُّل مشاقَّ المهاجرة ومتاعبها أي إنَّما يوفَّى الذين صبرُوا على دينِهم وحافظُوا على حدودِه ولم يُفرِّطُوا في مُراعاةِ حقوقه لما اعتراهم في ذلك من فُنونِ الآلامِ والبَلاَيا التي من جُملتها مهاجرةُ الأهلِ ومفارقةُ الأوطانِ { أَجْرَهُمْ } بمقابلة ما كابدُوا من الصَّبرِ { بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي بحيث لا يُحصى ولا يُحصر. عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: لا يَهتدِي إليه حسابُ الحُسَّاب، ولا يُعرف. وفي الحديثِ "أنَّه تنصبُ الموازينُ يوم القيامة لأهلِ الصَّلاة والصَّدقة والحَجِّ فيُؤتَون بها أجورَهم ولا تنُصب لأهل البلاءِ بل يُنصبُّ عليهم الأجرُ صَّباً حتَّى يتمنَّى أهلُ العافيةِ في الدُّنيا أنَّ أجسادَهم تُقرضُ بالمقاريضِ مَّما يذهبُ به أهلُ البلاءِ من الفضلِ

" { قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدّينَ } أي من كلِّ ما ينافيهِ من الشِّركِ والرِّياءِ وغير ذلك أُمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببـيانِ ما أُمر به نفسه من الإخلاصِ في عبادة الله الذي هو عبارةٌ عمَّا أُمر به المؤمنون من التَّقوى مبالغةً في حثِّهم على الإتيان بما كُلِّفوه وتمهيداً لما يعقُبه مَّما خُوطب به المشركونَ. { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي وأُمرت بذلك لأجلِ أنْ أكونَ مقدَّمهم في الدُّنيا والآخرةِ لأنَّ إحرازَ قَصَب السَّبقِ في الدِّين بالإخلاصِ فيه. والعطفُ لمغايرةِ الثَّاني الأوَّلَ بتقيـيده بالعلَّةِ والإشعارِ بأنَّ العبادةَ المذكورةَ كما تقتضِي الأمرَ بها لذاتِها تقتضيهِ لما يلزمُها من السَّبقِ في الدِّينِ ويجوزُ أنْ تُجعلَ اللاَّمُ مزيدةً كما في أردتُ لأنْ أقومَ بدليلِ قوله تعالى: { أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } [سورة الأنعام: الآية 14] فالمعنى وأُمرت أنْ أكونَ أوَّلَ مَن أسلمَ من أهلِ زمانيِ أو مِن قومي أو أكون أولَ من دَعا غيرَهُ إلى ما دعا إليه نفسَه.