خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
١١٤
وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً
١١٥
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } أي في كثير من تناجي الناسِ { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ } أي إلا في نجوى مَنْ أمرَ { بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ } وقيل: المرادُ بالنجوى المتناجون بطريق المجازِ، وقيل: النجوى جمع نُجا نقله الكرماني وأياً ما كان فالاستثناءُ متصلٌ ويجوز الانقطاعُ أيضاً على معنى لكنْ مَنْ أمر بصدقة الخ، ففي نجواه الخير. والمعروفُ كلُّ ما يستحسنه الشرعُ ولا يُنكره العقلُ فينتظم أصنافَ الجميلِ وفنونَ أعمالِ البِرِّ، وقد فُسِّر هٰهنا بالقَرْض وإغاثةِ الملهوف وصدقةِ التطوعِ على أن المرادَ بالصدقة الصدقةُ الواجبة { أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } عند وقوعِ المُشاقّةِ والعِداءِ بـينهم من غير أن يجاوزَ في ذلك حدودَ الشرعِ الشريفِ، وبـين إما متعلقٌ بنفس إصلاحٍ، يقال: أصلحتُ بـين القوم أو بمحذوف هو صفةٌ له أي كائنٍ بـين الناسِ. عن أبـي أيوبَ الأنصاري رضي الله تعالى عنه "أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أدلك على صدقةٍ خيرٍ لك من حُمْرِ النَّعَم، قال: بلى يا رسول الله، قال: تُصلح بـين الناسِ إذا تفاسدوا وتُقرِّب بـينهم إذا تباعدوا" ، قالوا: ولعل السرَّ في إفراد هذه الأقسامِ الثلاثةِ بالذكر أن عملَ الخيرِ المتعدِّي إلى الناس إما لإيصال المنفعةِ أو لدفع المضرَّةِ، والمنفعةُ إما جُسمانية كإعطاء المالِ وإليه الإشارةُ بقوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } [النساء، الآية: 114] وإما روحانيةٌ وإليه الإشارةُ بالأمر بالمعروف، وأما دفعُ الضرر فقد أشير إليه بقوله تعالى: { أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [النساء، الآية: 114].

{ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى الأمور المذكورةِ أعني الصدقةَ والمعروفَ والإصلاحَ فإنه يشار به إلى متعدد، وما فيه من معنى البُعدِ مع قُرب العهدِ بها للإيذان ببُعد منزلتِها ورفعةِ شأنِها، وترتيبُ الوعدِ على فعلها إثرَ بـيانِ خيريةِ الأمرِ بها لما أن المقصودَ الأصليَّ هو الترغيبُ في الفعل وبـيانُ خيريةِ الأمرِ به للدِلالة على خيريته بالطريق الأولى لما أن مدارَ حُسنِ الأمرِ وقُبحِه حسنُ المأمورِ به وقبحُه فحيث ثبت خيريةُ الأمرِ بالأمور المذكورةِ فخيريةُ فعلِها أثبتُ، وفيه تحريضٌ للأمر بها على فعلها أو إشارةٌ إلى الأمر بها كأنه قيل: ومن يأمْر بها، والكلامُ في ترتيب الوعدِ على فعلها كالذي مر في الخيرية فإن استتباعَ الأمرِ بها الأجر العظيمِ إنما هو لكونه ذريعةً [وسبباً] إلى فعلها فاستتباعُه له أولى وأحقُّ. { ٱبْتِغَاء مَرْضَاتَ ٱللَّهِ } علةٌ للفعل، والتقيـيدُ به لأن الأعمالَ بالنيات وأن من فعل خيراً لغير ذلك لم يستحِقَّ به غيرَ الحِرْمان { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ } بنون العظمةِ على الالتفاتِ وقرىء بالياء { أَجْراً عَظِيماً } يقصُر عنه الوصفُ { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } التعرُّض لعنوان الرسالةِ لإظهار كمالِ شناعةِ ما اجترأوا عليه من المُشاقة والمخالفةِ، وتعليلِ الحُكمِ الآتي بذلك { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات الدالة على ثبوته { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي غيرَ ما هم مستمرون عليه من عقد وعمل وهو الدين القيم { نُوَلّهِ مَا تَوَلَّىٰ } أي نجعله والياً لِمَا توَلّىٰ من الضلال ونخذُله بأن نُخلِّيَ بـينه وبـين ما اختاره { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } أي نُدخله إياها، وقرىء بفتح النون من صَلاه { وَسَاءتْ مَصِيراً } أي جهنم، وفيها دِلالةٌ على حجية الإجماعِ وحُرمةِ مخالفتِه.