خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً
٤١
يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً
٤٢
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَكَيْفَ } محلُّها إما الرفعُ على أنها خبرٌ لمبتدإ محذوفٍ وإما النصبُ بفعل محذوفٍ على التشبـيه بالحال كما هو رأيُ سيبويهِ أو على التشبـيه بالظرف كما هو رأيُ الأخفش أي كيف حالُ هؤلاءِ الكفرةِ من اليهود والنصارى وغيرِهم، أو كيف يصنعون { إِذَا جِئْنَا } يومَ القيامة { مِن كُلّ أمَّةٍ } من الأمم { بِشَهِيدٍ } يشهَدُ عليهم بما كانوا عليه من فساد العقائدِ وقبائحِ الأعمالِ، وهو نبـيُّهم كما في قوله تعالى: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة، الآية 117] والعاملُ في الظرف مضمونُ المبتدأ والخبرِ من هول الأمرِ وعِظَمِ الشأنِ أو الفعلُ المقدرُ ومِنْ متعلقةٌ بجئنا { وَجِئْنَا بِكَ } يا محمد { عَلَىٰ هَـؤُلاء } إشارةٌ إلى الشهداء المدلولِ عليهم بما ذكر { شَهِيداً } تشهَدُ على صدقهم لعلمك بعقائدهم لاستجماع شرعِك لمجامعِ قواعدِهم، وقيل: إلى المكذبـين المستفهَمِ عن حالهم تشهد عليهم بالكفر والعصيانِ كما يشهد سائرُ الأنبـياءِ على أممهم، وقيل: إلى المؤمنين كما في قوله تعالى: { { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة، الآية 143].

{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ } استئنافٌ لبـيان حالِهم التي أُشير إلى شدتها وفظاعتها بقوله تعالى: { فَكَيْفَ } فإن أريد بهم المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالتعبـيرُ عنهم بالموصول لا سيما بعد الإشارةِ إليهم بهؤلاء لذمِّهم بما في حيِّز الصلةِ والإشعارِ بعلة ما اعتراهم من الحال الفظيعةِ والأمرِ الهائلِ، وإيرادُه عليه السلام بعنوان الرسالةِ لتشريفه وزيادةِ تقبـيحِ حالِ مكذّبـيه فإن حقَّ الرسولِ أو يؤمَنَ به ويُطاعَ لا أن يُكفَرَ به ويُعصىٰ وإن أريد بهم جنسُ الكفرَةِ فهم داخلون في إمرتهم دخولاً أولياً، والمرادُ بالرسول حينئذ الجنسُ المنتظِمُ للنبـي عليه السلام انتظاماً أولياً، وأياً ما كان ففيه من تهويل الأمرِ وتفظيعِ الحالِ ما لا يقادَر قدرُه وقوله تعالى: { وَعَصَوُاْ } عطفٌ على كفروا داخلٌ معه في الصلة، والمرادُ معاصيهم المغايرةُ لكفرهم ففيه دلالةٌ على أن الكفارَ مخاطَبون بفروع الشرائعِ في حق المؤاخذةِ، وقيل: حالٌ من ضمير كفروا، وقيل: صلةٌ لموصول آخرَ أي يودّ في ذلك اليومِ الذين جمعوا بـين الكفرِ وعصيانِ الرسولِ، أو الذين كفروا وقد عصَوُا الرسولَ أو الذين كفروا والذين عصَوُا الرسول. و{ لَوْ } في قوله تعالى: { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } إن جُعلت مصدريةً فالجملةُ مفعولٌ ليوَدّ أي يودون أن يُدفنوا فتُسوَّى بهم الأرضُ كالموتى، وقيل: يودّون أنهم لم يُبْعثوا أو لم يُخلَقوا وكأنهم والأرضَ سواءٌ، وقيل: تصير البهائمُ تراباً فيودّون حالَها، وإن جُعلت على بابها فالمفعولُ محذوفٌ لدِلالة الجملةِ عليه أي يودون تسويةَ الأرضِ بهم، وجوابُ لو أيضاً محذوفٌ إيذاناً بغاية ظهورِه أي لسُرُّوا بذلك، وقوله تعالى: { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } عطف على يود أي ولا يقدِرون على كتمانه لأن جوارحَهم تشهد عليهم، وقيل: الواو للحال أي يودون أن يُدفنوا في الأرض وهم لا يكتُمون منه تعالى حديثاً ولا يكذبونه بقولهم: { { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام، الآية 23] (إذ رُوي أنهم إذا قالوا ذلك ختمَ الله على أفواههم فتشهدُ عليهم جوارحُهم فيشتد الأمرُ عليهم فيتمنَّوْن أن تُسوَّى بهم الأرضُ) وقرىء تَسَّوَّى على أن أصله تتسوى فأُدغم التاءُ في السين وقرىء تَسَوَّى بحذف التاء الثانية، يقال: سوّيتُه فتَسوَّى.