خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
٧٤
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً
٧٥
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } قدِّم الظرفُ على الفاعل للاهتمام به { ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ } أي يبـيعونها بها وهم المؤمنون فالفاءُ جوابُ شرطٍ مقدرٍ أي إن بطّأ هؤلاءِ عن القتال فليقاتِلِ المُخلِصون الباذلون أنفسَهم في طلب الآخرةِ أو الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة، وهم المُبطِّئون فالفاءُ للتعقيب أي لِيترُكوا ما كانوا عليه من التثبُّط والنفاقِ ولْيُبدِّلوه بالقتال في سبـيل الله { وَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ } بنون العظمةِ التفاتاً { أَجْراً عَظِيماً } لا يقادَرُ قَدْرُه، وتعقيبُ القتالِ بأحد الأمرين للإشعار بأن المجاهدَ حقُّه أن يوطِّن نفسَه بإحدى الحسنيـين ولا يُخطِرَ بباله القسمَ الثالثَ أصلاً، وتقديمُ القتلِ للإيذان بتقدّمه في استتباع الأجرِ، روىٰ أبو هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكفّل الله تعالى لمن جاهد في سبـيله لا يُخرِجُه إلا جهادٌ في سبـيله وتصديقُ كلمتِه أن يُدخِلَه الجنةَ أو يُرجِعَه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة" .

{ وَمَا لَكُمْ } خطابٌ للمأمورين بالقتال على طريقة الالتفاتِ مبالغةً في التحريض عليه وتأكيداً لوجوبه وهو مبتدأٌ وخبرٌ وقولُه عز وجل: { لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } حالٌ عاملُها ما في الظرف من معنى الفعلِ، والاستفهامُ للإنكار والنفي، أي أيُّ شيءٍ لكم غيرَ مقاتِلين، أي لا عذرَ لكم في ترك المقاتلة { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } عطفٌ على اسم الله أي في سبـيل المستضعفين وهو تخليصُهم من الأسر وصونُهم عن العدو أو على السبـيل بحذف المضافِ أي في خلاص المستضعفين، ويجوز نصبُه على الاختصاص، فإن سبـيلَ الله يعُمّ أبوابَ الخيرِ وتخليصُ ضعفاءِ المؤمنين من أيدي الكفرةِ أعظمُها وأخصُّها { مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } بـيانٌ للمستضعفين أو حالٌ منهم وهم المسلمون الذين بقُوا بمكةَ لصدّ المشركين أو لضعفهم عن الهجرة مستذَلّين ممتَهنين، وإنما ذُكر الوِلْدان معهم تكميلاً للاستعطاف واستجلاباً للرحمة وتنبـيهاً على تناهي ظلمِ المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبـيانَ لإرغام آبائِهم وأمهاتِهم وإيذاناً بإجابة الدعاءِ الآتي واقترابِ زمانِ الخَلاصِ ببـيان شِرْكتِهم في التضرّع إلى الله تعالى، كلُّ ذلك للمبالغة في الحث على القتال، وقيل: المرادُ بالوِلدان العبـيدُ والإماءُ إذ يقال لهما: الوليدُ والوليدةُ وقد غلَب الذكورُ على الإناث فأُطلق الولدانُ على الولائد أيضاً { ٱلَّذِينَ } محلُّه الجرُّ على أنه صفةٌ للمستضعفين أو لما في حيز البـيانِ، أو النصبُ على الاختصاص { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا } بالشرك الذي هو ظلمٌ عظيمٌ، وبأذِيَّة المسلمين، وهي مكةُ والظالمِ صفتُها، وتذكيرُه لما أسند إليه فإن اسمَ الفاعلِ والمفعولِ إذا أُجريَ على غير مَنْ هُوَله كان كالفعل في التذكير والتأنيثِ بحسب ما عمِل فيه { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } كلا الجارَّيْنِ متعلقٌ باجْعل لاختلاف معنيـيهما، وتقديمُ المجرورين على المفعول الصريحِ لإظهار الاعتناءِ بهما وإبرازِ الرغبةِ في المؤخَّر بتقديمِ أحوالِه فإن تأخيرَ ما حقُّه التقديمُ عما هو من أحواله المُرَغّبة فيه ــ كما يورث شوقَ السامعِ إلى وروده ــ يُنبىء عن كمال رغبةِ المتكلّمِ فيه واعتنائِه بحصوله لا محالة، وتقديمُ اللامِ على مِنْ للمسارعة إلى إبراز كونِ المسؤولِ نافعاً لهم مرغوباً فيه لديهم، ويجوزُ أن تتعلقَ كلمةُ مِن بمحذوف وقع حالاً من ولياً قُدِّمت عليه لكونه نكرةً وكذا الكلامُ في قوله تعالى: { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي ولِّ علينا والياً من المؤمنين يوالينا ويقوم بمصالحنا ويحفَظ علينا دينَنا وشَرْعَنا وينصُرنا على أعدائنا ولقد استجاب الله عز وجل دعاءَهم حيث يسّر لبعضهم الخروجَ إلى المدينة وجعل لمن بقيَ منهم خيرَ وليَ وأعزَّ ناصِر، ففتح مكةَ على يدي نبـيِّه عليه الصلاة والسلام فتولاهم أيَّ تولَ ونصرهم أيةَ نُصرةٍ، ثم استعمل عليهم عتابَ بنَ أسيد ونصرهم حتى صاروا أعزَّ أهلِها، وقيل: المرادُ واجعل لنا من لدنك ولايةً ونُصرةً أي كن أنت وليَّنا وناصِرَنا، وتكريرُ الفعلِ ومتعلِّقَيْه للمبالغة في التضرع والابتهال.