خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٩٧
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } بـيانٌ لحال القاعدين عن الهجرة بعد بـيانِ حالِ القاعدين عن الجهاد، وتوفاهم يحتمل أن يكون ماضياً ويؤيده قراءةُ من قرأ توفتْهم وأن يكون مضارعاً قد حُذف منه إحدى التاءينِ وأصلُه تتوفاهم على حكاية الحالِ الماضيةِ والقصدِ إلى استحضار صورتِها، ويعضُده قراءةُ من قرأ تُوَفاهم على مضارع وُفِّيَتْ بمعنى أن الله تعالى يُوفيّ الملائكةَ أنفسِهم فيتوفّونها أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } حالٌ من ضمير تَوَفاهم فإنه وإن كان مضافاً إلى المعرفة إلا أنه نكرةٌ في الحقيقة لأن المعنى على الانفصال وإن كان موصولاً في اللفظ كما في قوله تعالى: { { غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ } [المائدة، الآية 1] و { هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة، الآية 95] و { ثَانِىَ عِطْفِهِ } [الحج، الآية 9] أي مُحلّين الصّيدَ وبالغاً الكعبةَ وثانياً عِطْفَه كأنه قيل: ظالمين أنفسَهم وذلك بترك الهجرةِ واختيارِ مجاورةِ الكفارِ الموجبةِ للإخلال بأمور الدينِ فإنها نزلت في ناس من أهل مكةَ قد أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرةُ فريضة { قَالُواْ } أي الملائكةُ للمُتوفَّيْن تقريراً لهم بتقصيرهم في إظهار إسلامِهم وإقامةِ أحكامِه من الصلاة ونحوها وتوبـيخاً لهم بذلك { فِيمَ كُنتُمْ } أي في أي شيءٍ كنتم من أمور دينِكم { قَالُواْ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية سؤالِ الملائكةِ، كأنه قيل: فماذا قالوا في الجواب؟ فقيل: قالوا: متجانِفين عن الإقرار الصريحِ بما هم فيه من التقصير متعلِّلين بما يوجبه على زعمهم { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلأَرْضِ } أي في أرض مكةَ عاجزين عن القيام بمواجب الدينِ فيما بـين أهلِها { قَالُواْ } إبطالاً لتعللهم وتبكيتاً لهم { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا } إلى قطر منها تقدِرون فيه على إقامة أمورِ الدينِ كما فعله من هاجر إلى المدينة وإلى الحبشة، وأما حملُ تعلُّلِهم على إظهار العجزِ عن الهجرة وجعلُ جوابِ الملائكةِ تكذيباً لهم في ذلك فيرده أن سببَ العجز عنها لا ينحصر في فُقدان دار الهجرةِ بل قد يكون لعدم الاستطاعةِ للخروج بسبب الفقرِ أو لعدم تمكينِ الكفَرة منه فلا يكون بـيانُ سعةِ الأرضِ تكذيباً لهم ورداً عليهم بل لا بد من بـيان استطاعتِهم أيضاً حتى يتم التبكيتُ، وقيل: كانت الطائفةُ المذكورةُ قد خرجت مع المشركين إلى بدرٍ منهم قيسُ بنُ الفاكِهِ بنِ المغيرةِ وقيسُ بنُ الوليدِ بنِ المغيرة وأشباهُهما فقُتلوا فيها فضَرَبت الملائكةُ وجوهَهم وأدبارَهم، وقالوا لهم ما قالوا فيكون ذلك منهم تقريعاً وتوبـيخاً لهم بما كانوا فيه من مساعدة الكَفَرةِ وانتظامِهم في عسكرهم، ويكون جوابُهم بالاستضعاف تعلّلاً بأنهم مقهورين تحت أيديهم وأنهم أَخرجوهم كارهين فرُدَّ عليهم بأنهم كانوا بسبـيل من الخلاص عن قهرهم متمكّنين من المهاجرة { فَأُوْلَـئِكَ } الذين حُكِيت أحوالُهم الفظيعةُ { مَأْوَاهُمْ } أي في الآخرة { جَهَنَّمُ } كما أن مأواهم في الدنيا دارُ الكفرِ لتركهم الفريضةَ المحتومةَ فمأواهم مبتدأٌ وجهنمُ خبرُه، والجملةُ خبرٌ لأولئك، وهذه الجملةُ خبرُ إن والفاءُ فيه لتضمُّن اسمِها معنى الشرطِ، وقولُه تعالى: { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } [النساء، الآية: 97] حالٌ من الملائكة بإضمار قد عند من يشترطه، أو هو الخبرُ والعائدُ منه محذوفٌ أي قالوا لهم، والجملةُ المصدرةُ بالفاء معطوفةٌ عليه مستنتَجَةٌ منه ومما في حيّزه { وَسَاءتْ مَصِيراً } أي مصيراً لهم أي جهنم، وفي الآية الكريمةِ إرشادٌ إلى وجوب المهاجرةِ من موضع لا يتمكن الرجلُ من إقامة أمورِ دينِه بأي سبب كان، وعن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فرَّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شِبْراً من الأرض استوجَبتْ له الجنة وكان رفيقَ أبـيه إبراهيمَ ونبـيِّه محمدٍ عليهما الصلاة والسلام" «