{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ} أي القيامةِ سميتْ بَها لأُزوفِهَا وهُو القربُ غيرَ أنَّ فيهِ إشعاراً بضيقِ الوقتِ وقيلَ الخطةُ الآزفةُ وهي مشارفةُ أهلِ النارِ دخولَها وقيل: وقتَ حضورِ الموتِ كما في قولِه تعالَى:
{ { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [سورة الواقعة: الآية 83] وقولِه: { { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } }. [سورة القيامة: الآية 26] وقولُه تعالَى: {إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ} بدلٌ منْ يومَ الآزفةِ فإنَّها ترتفعُ من أماكِنها فتلتصقُ بحلوقِهم فلا تعودُ فيتروّحوا ولا تخرجُ فيستريحوا بالموتِ {كَـٰظِمِينَ} عَلى الغَمِّ حالٌ منْ أصحابِ القلوبِ عَلى المَعْنى إِذِ الأصلُ قلوُبُهم أوْ مِنْ ضميرِهَا في الظرفِ وجمعُ السلامةِ باعتبارِ أنَّ الكظَم منْ أحوالِ العُقلاءِ كقولِه تعالَى: { فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ } [سورة الشعراء: الآية 4] أوْ منْ مفعولِ أنذرْهم عَلى أنَّها حالٌ مقدرةٌ أيْ أنذرهُم مقدراً كظمَهُم أوْ مشارفينَ الكظمَ. {مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أَيْ قريبٍ مشفقٍ {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أيْ لاَ شفيعَ مُشفَّعٌ على مَعْنى نفِي الشفاعةِ والطاعةِ معاً على طريقةِ قولِه: [الطويل]
على لاحبٍ لا يُهتدى بمنارِ [إذا سافه العوذُ الديافيُّ جَرْجَرا]
والضمائرُ إنْ عادتْ إلى الكُفارِ وهو الظاهرُ فوضعُ الظالمينَ موضعَ ضميرِهم للتسجيلِ عليهم بالظلمِ وتعليلِ الحكمِ بهِ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأَعْيُنِ} النظرةَ الخائنةَ كالنظرةِ الثانيةِ إلى غيرِ المَحْرمِ واستراقِ النظرِ إليهِ أو خيانةَ الأعينِ على أنها مصدرٌ كالعافيةِ {وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ} من الضمائرِ والأسرارِ والجملةُ خبرٌ آخرُ مثلُ يُلقي الروحَ للدِّلالةِ على أنَّه ما مِنْ خفيَ إلا وهُو متعلقُ العلمِ والجزاءِ. {وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقّ} لأنَّه المالكُ الحاكُم على الإطلاقِ فلا يقضِي بشيءٍ إلا وهُو حقٌّ وعدلٌ {وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ} يعبدونَهم {مِن دُونِهِ} تعالَى {لاَ يَقْضُونَ بِشَيْء} تهكمٌ بهم لأنَّ الجمادَ لا يُقالُ في حقِّه يَقْضِي أو لا يَقْضِي. وقُرىء تَدْعُون عَلى الخطابِ التفاتاً أو على إضمارِ قُلْ {إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ} تقريرٌ لعلمِه تعالَى بخائنةِ الأعينِ وقضائِه بالحقِّ ووعيدٌ لهمُ على ما يقولونَ ويفعلو نَ وتعريضٌ بحالِ ما يدْعونَ من دونِه. {أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} أي مآلُ حالِ مَنْ قبلَهم من الأُممِ المكذبةِ لرُسلِهم كعادٍ وثمودَ وأضرابِهم. {كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قدرةً وتمكناً من التصرفاتِ. وإنَّما جيءَ بضميرِ الفصلِ معَ أنَّ حقَّه التوسطُ بـينَ معرفتينِ لمضاهاةِ أفعلَ للمعرفةِ في امتناعِ دخولِ اللامِ عليهِ. وقُرِىءَ أشدَّ منكُم بالكافِ {وَءَاثَاراً فِي ٱلأَرْضِ} مثلُ القلاعِ الحصينةِ والمدائنِ المتينةِ، وقيلَ: المَعْنى وأكثرَ آثاراً، كقولِه: [مجزوء الطويل] [يا ليت زوجَك قد غدا] متقلداً سيفاً ورُمحاً
{فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} أخذاً وبـيلاً {وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ} أي منْ واقٍ يقيهم عذابَ الله.