خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
١٤
-الشورى

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالَى: { وَمَا تَفَرَّقُواْ } شروعٌ في بـيان أحوالِ أهلِ الكتابِ عقيبَ الإشارةِ الإجماليةِ إلى أحوالِ أهلِ الشركِ قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنُهمَا هُم اليهودُ والنَّصارى، لقولِه تعالَى: { { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيّنَةُ } [سورة البينة، الآية 4] أي وما تفرقُوا في الدينِ الذي دُعوا إليهِ ولم يُؤمنوا كما آمنَ بعضُهم { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } بحقِّيتِه بما شاهُدوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآنِ من دلائلِ الحقِّيةِ حسبما وجدُوه في كتابِهم، أو العلمُ بمبعثِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهو استثناءٌ مفرغٌ من أعمِّ الأحوالِ أو من أعمِّ الأوقاتِ أي وما تفرقُوا في حالٍ من الأحوالِ أو في وقتٍ من الأوقاتِ إلا حالَ مجيءَ العلمِ { بَغْياً بَيْنَهُمْ } وحميةً وطلباً للرياسة لا لأنَّ لهم في ذلكَ شبهةً { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } وهي العِدَةُ بتأخير العقوبةِ { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو يومُ القيامةِ { لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ } لأوقعَ القضاءَ بـينَهم باستئصالِهم لاستيجاب جناياتِهم لذلك قطعاً. وقولُه تعالَى { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن بَعْدِهِمْ } الخ بـيانٌ لكيفية كفر المشركينَ بالقرآنِ إثرَ بـيانِ كيفيةِ كفرِ أهلِ الكتابِ. وقُرِىءَ وَرِثُوا ووُرِّثُوا أيْ وإنَّ المشركينَ الذينَ أُورثوا القرآنَ من بعدِ ما أُورثَ أهلُ الكتابِ كتابَهم { لَفِى شَكّ مّنْهُ } من القرآن { مُرِيبٍ } موقعٌ في القلق أو في الريبةِ ولذلكَ لا يُؤمنونَ به لا لمحض البغِي والمكابرةِ بعد ما علمُوا بحقِّيتِه كدأب أهلِ الكتابـينِ.

هذا وأمَّا ما قيلَ: منْ أنَّ ضميرَ تفرقُوا لأمم الأنبـياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ وأنَّ المرادَ تفرقُ كلِّ أمةٍ بعدَ نبـيِّها مع علمِهم بأنَّ الفرقةَ ضلالٌ وفسادٌ وأمرٌ متوعدٌ عليهِ على ألسنة الأنبـياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ فيردّه قولُه تعالَى: { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ }، وكذا ما قيلَ من أنَّ الناسَ أمةً واحدةً مؤمنينَ بعد ما أهلكَ الله تعالَى الأرضَ بالطوفان فلما ماتَ الآباءُ اختلفَ الأبناءُ فيما بـينُهم وذلك حين بعث الله تعالى النبـيـين مبشرين ومنذرين وجاءهُم العلمُ وإنما اختلفُوا للبغِي بـينَهم فإنَّ مشاهيرَ الأممِ المذكورةِ قد أصابُهم عذابُ الاستئصالِ من غير إنظارٍ وإمهالٍ، على أنَّ مساقَ النظمِ الكريمِ لبـيان أحوالِ هذه الأمةِ، وإنما ذُكِرَ من ذُكِرَ من الأنبـياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ لتحقيق أنَّ ما شرع لهؤلاء دين قديم أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيداً لوجوب إقامتِه وتشديداً للزجرِ عن التفرق والاختلافِ فيه فالتعرضُ لبـيان تفرقِ أممِهم عنه ربَّما يُوهم الإخلالَ بذلكَ المرامِ.