{وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ} أيُّ مصيبةٍ كانتْ {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي فهيَ بسببِ معاصيكُم التي اكتسبتمُوها. والفاءُ لأنَّ ما شرطيةٌ أو متضمنةٌ لمَعْنى الشرطِ. وقُرِىءَ بدونِها اكتفاءً بما في الباء من مَعْنى السببـيةِ. {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} من الذنوبِ فلا يعاقبُ عليها. والآيةُ مخصوصةٌ بالمجرمينَ فإنَّ ما أصابَ غيرَهُم لأسبابٍ أُخرى منها تعريضُه للثوابِ بالصبرِ عليهِ {وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى ٱلأَرْضِ} فائتينَ ما قُضِيَ عليكُم من المصائبِ وإن هربتُم من أقطارِها كلَّ مهربٍ. {وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ} يحميكُم منَها {وَلاَ نَصِيرٍ} يدفعُها عنكُم.
{وَمِنْ ءايَـٰتِهِ ٱلْجَوَارِ} السفنُ الجاريةُ {فِى ٱلْبَحْرِ} وقُرِىءَ الجَوَارِي {كَٱلأَعْلَـٰمِ} أي كالجبالِ على الإطلاقِ لا التي عليها النارُ للاهتداءِ خاصَّة. {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرّيحَ} التي تُجريَها. وقُرُىءَ الرياحَ. {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ} فيبقينَ ثوابتَ على ظهرِ البحرِ أي غيرَ جارياتٍ لا غيرَ متحركاتٍ أصلاً. {إِنَّ فِى ذَلِكَ} الذي ذُكِرَ من السفنِ اللاتِي يجرينَ تارةً ويركُدنَ أُخْرى على حسب مشيئتِه تعالَى {لاَيَاتٍ} عظيمةً في أنفسها كثيرةً في العددِ دالةً على ما ذُكِرَ منْ شؤونِه تعالَى. {لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} لكلِّ مَنْ حبسَ نفسَهُ عن التوجِه إلى ما لا ينبغِي ووكَّلَ همَّتَهُ بالنظرِ في آياتِ الله تعالَى والتفكرِ في آلائِه أو لكلِّ مؤمنٍ كاملٍ، فإنَّ الإيمانَ نصفُهُ صبرٌ ونصفُهُ شكرٌ. {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} عطفٌ على يُسكنْ والمعنى إن يشأ يسكن الريحَ فيركدنَ أو يرسلْهَا فيغرقنَ بعصفِها. وإيقاعُ الإيباقِ عليهنَّ مع أنَّه حالُ أهلهنَّ للمبالغةِ والتهويلِ. وإجراءُ حُكمِه على العفوِ في قولِه تعالَى {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} لِما أنَّ المَعْنى أو يُرسلْها فيوبقْ ناساً ويُنجِ آخرينَ بطريق العفوِ عنهُم. وقُرِىءَ ويعفُو على الاستئناف {وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِنَا} عطفٌ على علة مقدرةٍ مثل لينتقمَ منهم وليعلم الخ كما في قولِه تعالَى:
{ { وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ } [سورة مريم، الآية 21] وقوله: { { وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } [سورة يوسف، الآية 31] ونظائِرِهِما. وقُرِىءَ بالرفعِ على الاستئنافِ وبالجزمِ عطفاً على يعفُ فيكونُ المَعْنى وإنْ يشأْ يجمعْ بـينَ إهلاكِ قومٍ وإنجاءِ قومٍ وتحذيرِ قومٍ. {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} أي منْ مهربٍ من العذابِ. والجملةُ معلّقٌ عنها الفعلُ.