خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ
٤
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥
وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ
٦
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ
٧
-الشورى

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

وقولُه تعالى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ } خبرانِ له وعلى الوجوهِ السابقةِ استئنافٌ مقرٌّ لعزتِه وحكمتِه.

{ تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } وقُرِىَء بالياءِ { يَتَفَطَّرْنَ } يتشقّقنَ من عظمةِ الله تعالىَ وقيلَ: من دعاءِ الولدِ له كما في سُورةِ مريمَ وقُرِىءَ يَنْفَطرنَ، والأولُ أبلغُ لأنَّه مطاوعُ فطَّر،و هذا مطاوعُ فَطَر. وقُرِىءَ تَنْفطِرْنَ بالتاءِ لتأكيدِ التأنيثِ وهو نَادرٌ { مِن فَوْقِهِنَّ } أي يبتدأُ التفطرُ من جهتهنَّ الفوقانيةِ وتخصيصُها على الأولِ لما أنَّ أعظمَ الآياتِ وأدلَّها على العظمةِ والجلالِ من تلكَ الجهةِ، وعلى الثَّانِي للدلالةِ على التفطرِ من تحتهنَّ بالطريقِ الأَولى، لأنَّ تلكَ الكلمةَ الشنعاءَ الواقعةَ في الأرضِ حيثُ أثرتْ في جهةِ الفوقِ فلأنْ تؤثرَ في جهةِ التحتِ أَوْلى وقيلَ: الضميرُ للأرضِ فإنَّها في مَعنْى الأرضينَ { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } ينزهونَهُ تعالى عمَّا لا يليقُ به ملتبسينَ بحمدِه { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ } بالسَّعي فيما يستدعِي مغفرتَهُم من الشفاعةِ والإلهامِ وترتيبِ الأسبابِ المقربةِ إلى الطاعةِ واستدعاءِ تأخيرِ العقوبةِ طمعاً في إيمانِ الكافرِ وتوبةِ الفاسقِ. وهذا يعمُّ المؤمنَ والكافرَ، بلْ لو فُسِّر الاستغفارُ بالسَّعي فيما يدفعُ الخللَ المتوقعَ عمَّ الحيوانَ بلِ الجمادَ وحيثُ خُصَّ بالمؤمنينَ كَما في قولِه تعالى: { { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } [سورة غافر، الآية 7] فالمرادُ به الشفاعةُ { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } إذْ ما منْ مخلوقٍ إلا ولَهُ حظٌ عظيمٌ من رحمتِه تعالَى، والآيةُ عَلى الأولِ زيادةُ تقرير لعظمتِه تعالَى، وعلى الثَّاني بـيانٌ لكمالِ تقدُّسهِ عمَّا نُسبَ إليهِ، وأنَّ تركَ معاجلتِهم بالعقابِ على تلك الكلمةِ الشنعاءِ بسببِ استغفارِ الملائكةِ وفرطِ غفرانِه ورحمتِه، ففيها رمزٌ إلى أنَّه يقبلُ استغفارَهُم ويزيدُهُم على ما طلبُوه من المغفرةِ رحمةً. { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } شركاءَ وأنداداً { ٱللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ } رقيبٌ على أحوالِهم وأعمالِهم فيجازيَهمُ بها { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } بموكّلٍ بهم أو بموكولٍ إليك أمرُهم وإنما وظيفتُكَ الإنذارُ.

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءاناً عَرَبِيّاً } ذلكَ إشارةٌ إلى مصدر أَوْحَينا ومحلُّ الكافِ النصبُ على المصدريةِ، وقرآنا عربـياً مفعول لأوحينَا أي ومثلَ ذلكَ الإيحاءِ البديعِ البـيِّنِ المفُهم أَوْحينا إليكَ قرآناً عربـياً لا لَبْسَ فيه عليكَ ولا على قومكَ، وقيلَ: إشارةٌ إلى مَعْنى الآيةِ المتقدمةِ من أنَّه تعالى هُو الحفيظُ عليهم وإنما أنتَ نذيرٌ فحسب، فالكافُ مفعولٌ به لأَوحينا، وقرآناً عربـياً حالٌ من المفعولِ بِه أيْ أوحيناهُ إليكَ وهو قرآنٌ عربـيٌّ بـيِّنٌ. { لّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } أيْ أهلَها وهيَ مكةُ { وَمَنْ حَوْلَهَا } من العربِ { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } أي يومَ القيامةِ لأنه يُجمعُ فيه الخلائقُ قال تعالى: { { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } [سورة التغابن، الآية 9] وقيلَ: تُجمعُ فيه الأرواحُ والأشباحُ، وقيلَ: الأعمالُ والعُمالُ. والإنذارُ يتعدَّى إلى مفعولينِ، وقد يستعملُ ثانيهما بالباءِ، وقد حُذفَ هنها ثانِي مفعولَيْ الأولِ وأولُ مفعولَيْ الثَّانِي للتهويلِ وإيهامِ التعميمِ. وقُرِىءَ لينذرَ بالياءِ على أنَّ فاعلَهُ ضميرُ القرآنِ. { لاَ رَيْبَ فِيهِ } اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ { فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ } أي بعدَ جمعِهم في الموقفِ فإنَّهم يُجمعونَ فيه أولاً ثمَّ يفرقونَ بعد الحسابِ، والتقديرُ منهمُ فريقٌ والضميرُ للمجموعينَ لدلالةِ الجمعِ عليهِ وقِرِئَا منصوبـينِ على الحاليةِ منهُم أيْ وتنذرَ يومَ جمعِهم متفرقين أي مشارفينَ للتفرقَ أو متفرقينَ في دارَيْ الثوابِ والعقابِ.